ليس من الخطأ أن تنشئ البنوك شركات سمسرة تابعة لها للقيام بدور الوساطة في سوق الأوراق المالية، فلا يوجد قانون ولا عرف يمنع ذلك. وهناك في الحقيقة مسوغات كثيرة ترجح كفاءة وقدرة شركات السمسرة التابعة للبنوك عند مقارنتها بغيرها، وذلك انطلاقاً من قدرة وكفاءة البنوك ذاتها في هذا المجال. هذا من الناحية النظرية أما من الناحية العملية فإن الأوضاع والمؤشرات في السوق تنطق بغير ذلك تماماً. فلماذا لا تعير البنوك شركات السمسرة أهميةً ترتقي بمستوياتها الإدارية والفنية والمالية والمحاسبية؟ ولماذا لا تشدد هيئة الأوراق المالية والمصرف المركزي على شروط كفاءة الأداء وتقوما بالرقابة والمتابعة والإشراف والتقويم المستمر. وفي الحقيقة فإن الخطأ الكبير المستنكر، والذي لا تسمح به القوانين ولا الأعراف في كافة دول العالم هو قيام بعض السماسرة التابعين للبنوك وغير التابعين لها بالمضاربة لصالح المحافظ الاستثمارية الخاصة بالبنوك أو لصالح مضاربين معينين في سوق الأوراق المالية، سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث أن هذه الظاهرة قد أصبحت واضحة في سوق الأوراق المالية في الدولة، يلاحظها ويتحدث عنها كافة الناس. فلا بد بالتالي من دراستها والبحث عن الحلول المناسبة لها. إن المؤشرات والقرائن التي تدل على سيادة هذه الظاهرة السلبية في سوق الأوراق المالية كثيرة جداً، نذكر منها الآتي:
(1) إلزام شركات السمسرة التابعة للبنوك عملاءها بفتح حسابات لدى البنوك المرتبطة بها رغم أن البنوك تدعي استقلالية شركات السمسرة عنها. أما الشركات غير التابعة للبنوك والتي تدعي استقلاليتها فهي الأخرى توجه العملاء إلى بنوك معينة. وتجاهل الوكالات العامة العائلية الموثقة من المحاكم وإلزام كافة أفراد العائلة الواحدة بفتح حسابات مصرفية في نفس البنوك المرتبطة بها. وذلك نظراً لسهولة التحكم في الحسابات أثناء عمليات التصفية (أي المقاصة) على اعتبار أن السمسار والبنك هما نفس الشركة.
(2) إهمال السماسرة لصغار المستثمرين، ومعاملتهم معاملة سيئة وتجاهل أسئلتهم واستفساراتهم حول أنشطتهم. وتمييزهم المفرط لكبار المستثمرين.
(3) الرد على هواتف معينة وإهمال الهواتف الأخرى.
(4) التلاعب الكبير في حجم وتوقيت العرض والطلب ومن ثم التأثير على الأسعار دونما معلومات جديدة حول أنشطة الشركات المدرجة في البورصة، أو أوضاعها المالية. وقد شاهدنا وقرأنا مقابلات إعلامية لبعض الوسطاء الذين ذكروا أن أسهم شركات معينة قد تصل إلى الأرقام كذا وكذا. وهذا في الحقيقة تغرير واضح بالمضاربين ما كان يجب أن يصدر من الوسطاء المعتمدين في البورصة. وكان لا بد من محاسبتهم على ذلك سواءً أكان ذلك عفوياً أم مقصوداً لذاته. إضافةً إلى أن المتمعن في الأحاديث الهاتفية للوسطاء وتوجيهاتهم ونصائحهم لعملاء معينين بالبيع أو الشراء أو التريث يدرك تماماً التلاعب الكبير الذي يجري في السوق.
(5) ظهور كبار المضاربين شخصياً في قاعات التداول في أوقات الرخاء الحاد وفي أوقات الشدة للإشراف بأنفسهم على تصفية حساباتهم واختفائهم في الأوقات العادية.
(6) أحياناً يقول الوسيط للعملاء نحن اليوم لا نشتري للعملاء ولكننا نبيع لهم فقط بحجة أن بعض العملاء كانوا قد اشتروا من قبل ولم يلتزموا بسداد ما عليهم من ديون. وفي الوقت ذاته نرى نفس الوسيط يشتري لعملاء معينين وبشكل منتقى على مرأى ومسمع كافة العملاء. فكيف يفسر لنا المسؤولون مثل هذه الظواهر الغريبة؟ وما هو ذنب العملاء الملتزمين الذين يتعاملون بطرق قانونية نظيفة؟ وهل هذه طريقة متحضرة لحل المشاكل؟ ومن هي الجهة (أو الجهات) التي تشتري إذاً إذا كان الوسطاء يتقبلون طلبات البيع فقط ولا يتقبلون طلبات الشراء؟ أم أن هناك أسواقا جديدة قد تم اختراعها فيها عرض وليس فيها طلب؟ في الحقيقة أن مثل هذه التصرفات قد توحي للناس بتفسيرات عديدة؟ وقد يكون بعض تلك التفسيرات خاطئا بلا شك. بيد أنه لماذا لا يقوم المسؤولون بالإفصاح عن التفسيرات الصحيحة لذلك؟ وتصحيح مفاهيم الناس الخاطئة وإزالة الغموض؟.
(7) تمكن البنوك من الربط بين حاجات العملاء إلى التسهيلات المصرفية لتمويل المضاربات وبين أنشطتهم الفعلية في السوق بسهولة ويسر عندما تكون شركة الوساطة تابعة للبنك، حيث يستطيع البنك استخدام الأسهم ذاتها كضمانات مصرفية.
(8) ما معنى التصحيح الهادئ لأسعار الأسهم الذي يعقب الطفرات السعرية الكبيرة أو النزول السعري الحاد، والذي بدأت تردده وسائل الإعلام؟ ومتى يتم التصحيح؟ ومن هو الذي يقوم بالتصحيح؟ ولماذا يسمي المحللون ما حدث خلال الأسبوع الماضي من هبوط في الأسعار تصحيحاً هادئا للأسعار، رغم أنه لم يكن رسمياً كذلك، ورغم أن السوق قد شهدت من قبل طفرات أكثر حدةً ولم يتم التصحيح السعري لا رسمياً ولا سوقياً؟ فمن الذي يحرك الأسعار باتجاه التصحيح؟ ولماذا تحركت الأسعار في السابق نحو الاتجاه الخاطئ؟ وما هو المنطق في تصحيح الأسعار؟ وما هو الحد الفاصل الذ