في ضاحية أبو غريب البغدادية يقع مجمع يضم مهبطاً جوياً مهجوراً كان تابعا في السابق لمؤسسة اسمها (إم 21 ) أو مديرية العمليات الخاصة التابعة لجهاز الاستخبارات العراقي· وباعتباري مفتشا من مفتشي الأسلحة في العراق فإنني قمت بالتفتيش على هذه المنشأة في شهر يونيو من عام ·1996 وعلى الرغم من أننا لم نجد أسلحة دمار شامل فإننا وجدنا أمامنا مؤسسة متخصصة في إنتاج واستخدام أجهزة متفجرة مرتجلة وهي تلك الأجهزة نفسها التي تقتل الأميركيين يوميا في بغداد الآن·
ولأننا كنا نفتش عن أسلحة الدمار الشامل، فإن العراقيين في ذلك الوقت لم يسمحوا لنا بالإطلاع على الوثائق الخاصة بهذا النشاط، ولكننا عندما عدنا إلى سيارتنا قمنا بتسجيل كل شيء رأيناه·
كان ما شاهدناه، وما قمنا بإرساله فيما بعد لوكالات الاستخبارات الأميركية، عبارة عن مخططات للمقاومة في مرحلة ما بعد الحرب، وهو ما تواجهه الولايات المتحدة في العراق حاليا· وهذه المخططات تتضمن حقيقتين يجب على السلطات الأميركية أن تعيهما جيداً:
إن أدوات، ووسائل القتل المستخدمة الآن في العراق، هي من صنع النظام السابق، وليست مستوردة من الخارج·
إن المقاومة المضادة للأميركيين في العراق اليوم هي عراقية بطبيعتها، وذات قاعدة أكبر نطاقا، وجذور أكثر عمقا، مما يعتقد·
إن الأجهزة المتفجرة المرتجلة، تعتبر ظاهرة مرعبة للجنود الأميركيين الذين يقومون بدوريات في العراق، لدرجة جعلت كل واحد منهم وهو يستقل مركبة عسكرية أميركية في بغداد اليوم، سواء كانت مدرعة من نوع همفي أو دبابة من نوع إم 1- إبرهامز يتساءل عما إذا كانت هذه الدورية هي دوريته الأخيرة أم أنه سيعود سالما منها·
والهجمات التي تتم باستخدام هذا النوع من المتفجرات، يمكن تعقب مصدرها وإرجاعها إلى كل مؤسسة أو تنظيم من التنظيمات الموالية لصدام حسين· فالوحدة إم21-، لم تكن هي الوحيدة المدربة على إنتاج واستخدام تلك المتفجرات، وإنما كانت هناك وحدات أخرى عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر أكاديمية التدريب التابعة لجهاز الاستخبارات العراقي، وذلك ما شاهدته بنفسي خلال جولة تفتيشية بالأكاديمية الواقعة في بغداد في أبريل ·1977
في ذلك الشهر نفسه، قمنا بالتفتيش على موقع آخر بالقرب من ضاحية المنصور الراقية كان يضم وحدة مشتركة تضم عناصر من قوات الأمن الخاصة بصدام حسين، ومن جهاز الاستخبارات العراقي· كانت مهمة هذه الوحدة، هي تعقب حركة وأنشطة أي عراقي يقيم بهذه الضاحية وذلك على الطريق العمومي الذي يربط بين القصور الرئاسية ومطار صدام الدولي· في ذلك الوقت أصبنا بالذهول، عندما دخلنا حجرة بحجم صالة ألعاب رياضية لنفاجأ بخريطة ضخمة للحي مرسومة على جدران الغرفة· كانت الخريطة تبين شوارع المنطقة، وكان مثبتا عليها أكوام من الصواني المعدنية المقسمة إلى طبقات· كانت كل كومة تمثل مبنى من مباني المنطقة، وكانت كل طبقة تمثل طابقاً من طوابق المبنى· وفي كل طبقة، تم وضع دوسيهات تحتوي معلومات عن كل مواطن يعيش في ذلك الطابق· وكان في كل حي من الأحياء وحدة مماثلة·
نفهم من هذا أن نظام صدام -وهذا ينطبق على بقاياه أيضا- على معرفة وثيقة بكل بوصة مربعة في بغداد، ويعرف تماما من هم الموالون ومن هم المناوئون· كما يعرف مكان سكنهم والأشخاص الذين يتصلون بهم· ولا يقتصر هذا على بغداد فقط، وإنما هو ينطبق على أي مدينة أخرى في العراق، بصرف النظر عما إذا ما كانت شيعية أو كردية أو خلافه· هذه المعرفة الوثيقة تسمح لمسؤولي النظام السابق بالتخفي دون حماية وسط السكان المتعاطفين معهم·
وعلى الرغم من أن إدارة بوش تقوم بشكل مستمر بتوصيف العدو في العراق بأنه إرهابي، كما تطلق على الجناة الرئيسيين في الهجمات التي تتم ضد القوات الأميركية لقب المقاتلين الأجانب، فإن فكرة قيام تنظيم القاعدة، أو تنظيم أنصار الإسلام باستخدام بغداد، أو أي مدينة أخرى في العراق كقاعدة مستقلة للعمليات تعتبر فكرة بعيدة عن التصديق· فلو تصورنا إمكانية ظهور أجانب في بغداد، فمن المرجح أن يتم هذا الظهور تحت رقابة مشددة من قبل عناصر المقاومة التابعة لصدام حسين، وحتى في تلك الحالة فإن العناصر الأجنبية عادة ما يتم استخدامها كسلاح يستخدم لمرة واحدة، بنفس الطريقة التي يتم بها استخدام القنابل المطلقة من قواذف صاروخية، أو الأجهزة المتفجرة المرتجلة·
إن تزايد عدد، وارتفاع مستوى، وتنوع الهجمات التي تقع ضد القوات الأميركية تشير إلى أن المقاومة العراقية تتنامى، وأنها قد أصبحت أكثر تنظيما، وهو ما يمثل دليلا واضحا على أن الولايات المتحدة يمكن أن تخسر الصراع من أجل كسب قلوب وعقول الشعب العراقي·
لكي نقوم بتقييم طبيعة المقاومة المضادة لأميركا في العراق اليوم، يجب على المرء منا أن يتذكر أن غالبية القوات الموالية للنظام، وخصوصا الوحدات العسكرية الأكثر ولاء لصدام حسين، وكامل الأجهزة الاستخباراتيه والأمنية لم تستسلم أبدا، وأن كل ما هنالك هي أنها ذابت فلم نعد ندري أين ذهبت·
على الرغم من الب