كل مسؤول في أية منزلة أو مكانة يشغلهما، يكون في منتهى الشجاعة والقوة والقدرة على المواجهة عندما يصل إلى مرتبة تغليب الصالح العام على ما عداه، ولا تأخذه فيما يراه من الصواب والحق لومة لائم أو عتاب معاتب·
وهذه الصفة المتسمة بالخلق القويم، تتجلى في قيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الذي يثبت في كل حين أنه القيادي الرشيد، سواء على صعيد الحكومة المحلية في دبي خلال توليه لدفة الأمور منذ أكثر من عقد من الزمن، أو الآن، في الوقت الحاضر، عندما يشارك مشاركة رئيسية وفعالة في قيادة الحكومة الاتحادية· وما من ريب أن القيادي الذي يتخذ من هذا المبدأ، مبدأ إيثار المصلحة العامة على أية مصلحة أخرى، ويجعل هذا بغيته ومرامه، فإن هذا هو القيادي الذي يبني لأمته مجدها ويدفعها للأمام في موكب الحضارة والسؤدد·
وخلال تولي الشيخ محمد بن راشد مسؤولية الإدارة في حكومة دبي، كانت خطواته الأولى هي تحسين الأداء الوظيفي للعاملين في الجهاز الحكومي، بحيث يتمكن هذا الجهاز من مسايرة التخطيط للتحول بدبي من مركز إقليمي للتجارة إلى مركز عالمي للاقتصاد والمنافسة التجارية على كل الأصعدة، وأول ما فعله محمد بن راشد هو وضع الموظف المناسب في الوظيفة المناسبة، وكان جلياً منذ البداية أن الشيخ محمد في خطته هذه كان يضع نصب عينيه نقاط الكفاءة الشخصية في هذا الموظف الذي تناط به المسؤولية الإدارية، وليس الانتمائية والفئوية التقليدية، أو الحدودية الضيقة للإمارة·· فرأينا مثلاً شباباً غير ذائعي الصيت الانتمائي من شرائح مختلفة من المجتمع الإماراتي من دبي نفسها ومن إمارات أخرى، يلجون أبواب العمل في حكومة دبي المحلية، وعدتهم الوحيدة المؤهل العلمي والكفاءة الشخصية، وليس أي شيء آخر، ولا يبحث في شخص هذا الموظف عن أية زوايا أخرى من تلك التي لا قيمة لها في العرف الحضاري كالألقاب الانتمائية وغيرها·
ومن العوامل التي جعلت خطة محمد بن راشد ناجحة في تطوير العمل الإداري، هو يقظته في متابعة أداء الذين أسندت إليهم إدارة الأعمال، فهو دائم الحضور وقد يفاجئ موظفاً عادياً في مكتبه بالزيارة، والأكثر من ذلك هو متابعته لبرنامج دوري، يقال فيه للموظف، أحسنت إن كان محسناً، وأسأت إن كان مسيئاً، وينال الثواب والعقاب على ما جنت يداه! الخير بالخير والشر بالشر، وفي مثل هذا الميدان التنافسي الجميل من أجل الأفضل يجني الكل ثمار الجهود في جو تسوده المساواة والإصرار على تقييم العمل الصالح وحده دون أية محاباة·
وفي حكومة محمد بن راشد وقيادته، يلاحظ الجميع أن الفساد الإداري ينحدر نحو الانكماش وتضيق دوائره، وتحل محله الشفافية والوضوحية، لأن المحاسبة أو التحفز للمحاسبة في أية ساعة واردة ومتوقعة، وتأتي في الدرجة الأولى من خطة محمد بن راشد في التحسين الإداري، ولأن أي مسؤول في حكومة محمد بن راشد بات يترقب هذه المحاسبة ويستعد لها، ومن الطبيعي أن يكون هذا الاستعداد عند الأمناء المخلصين هو الخلق القويم والاستقامة· والشيء الآخر الذي بات عنواناً لإدارة محمد بن راشد هو البحث عما في الشخص المراد إناطة المسؤولية به، هي الكفاءة العلمية والإدارية، فإذا اجتمعتا في الشخص المرشح فإنهما المعياران الأساسيان للياقة المقبولة لدى إدارة محمد بن راشد وقيادته، وليست الانتمائية والفئوية التقليدية كما تمت الإشارة إليها·
ولعمري فإن هذين المعيارين إذا وضعا في ميزان التأهيل لتبوءِ مكانة ما في المجتمع، فإن ذلك يعني أن المجتمع يتوجه نحو الاستمساك بالعروة الوثقى في المسلك الحضاري، ويسير على خطى المجتمعات الراقية التي يتقدم فيها المرء بمؤهلاته وكفاءاته الشخصية· ولقد بات واضحاً أن السياسة التي تبناها الشيخ محمد بن راشد واختصها لقيادته، هي سياسة رشيدة وتلقى الاستحسان من لدن أركان الدولة الاتحادية وعلى رأسها صاحب السمو رئيس الدولة، وآية ذلك ما رأيناه في تشكيل الحكومة الجديدة التي تغلبت فيها الكفاءات والمؤهلات وإيثار المصلحة العامة والنفع العام للناس على أية اعتبارات أخرى· وقد يقول قائل إنه ليس من المحتم أن تبلغ الاجتهادات في اختيار فرد أو أفراد للعمل العام، أقصى درجات الصلاحية وبلوغ الهدف الأسمى، وفي هذا القول، شيء من الصواب، لكن المعوّل هنا أن النية الحسنة وتوسم الخير والتفاؤل به تسير وتلازم الخطة التي رسمها الشيخ محمد بن راشد لعمله، وطالما كان هذا هو المعوّل فإننا أمام طريق خير ممهد، وكما هو في الأثر، فإن من تفاءل بالخير وجده·
ولقد جاء تعيين وزير لشؤون المجلس الوطني الاتحادي إشارة وبشرى في نفس الوقت، إلى أن الرؤية لاستحداث إصلاح في النهج التقليدي غير الملائم لتركيبة المجلس الوطني القديمة، باتت محل اهتمام غير عادي، وأن ما أعلنه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ''حفظه الله''، قبل أسابيع من النية لإجراء إصلاح شامل في المجلس الوطني الاتحادي وتركيبته، سوف تؤتي أكلها الطيب، لا سي