أنا متفائل بطبعي ، ولقد أخبرني صديق في تل أبيب الأسبوع المنصرم أنه يعرف سبب تفاؤلي· قال لي هذا الصديق إن السبب في ذلك يرجع إلى أنني قصير القامة، وإن قصيري القامة يميلون عادة للتفاؤل، لأن قصرهم لا يتيح لهم سوى رؤية نصف الكوب المملوء·· لا نصفه الفارغ·
بيد أنه في هذه الأيام-وحتى بالنسبة لشخص في مستوى نظري- فإن ما يحدث هو أنني أجد معاناة في رؤية نصف الكوب المملوء في العراق· ومع ذلك، يتعين علي القول إنني ما زلت متفائلا بشأن ذلك البلد وإن كان تفاؤلا مشوبا بالقلق· تفاؤلي مستمد من شيء كبير حدث هناك، أما قلقي فيرجع إلى شيئين أصغر حجما لم يحدثا هناك· والشيء الكبير الذي حدث في العراق، والذي يمكنك أن تستشعره إذا ما كنت في ذاك البلد هو أن هناك ارتباطاً تاماً في المصالح بين طموحات أميركا بالنسبة للعراق، وبين طموحات الأغلبية الصامتة من أهله· فنحن الاثنان -الأميركيون والأغلبية الصامتة- نريد تحقيق الشيء نفسه للعراق، وهو ألا يتحول إلى إيران أخرى، ولا يعود صدّاميا كما كان، وإنما أن يتحول إلى صورة بديلة لدولة عراقية لائقة، عصرية التوجه· وهذا التداخل في الطموحات، يعتبر شيئا ذا أهمية بالغة، لأنه يعني أن العراق ليس فيتنام·
وهذا يفسر لنا لماذا يذهب بقايا نظام صدام، الذين يريدون استعادة مزاياهم وسلطاتهم مرة أخرى، إلى هذا الحد الذي لا يصدق في المقاومة و الذي يصل إلى تفجير مقر الأمم المتحدة في العراق ، وتفجير مسجد يعد من أقدس مقدســـات الشيعــــة في العالم· وليس من السهل -على رغم ذلك- كسر هذا الارتباط في المصالح بين الأميركيين ،وبين الأغلبية الصامتة من الشعب العراقي، لأن هذا الارتباط يتمتع بثقل وزخم حقيقيين، كما يتبين من قيام مجلس الحكم العراقي بتعيين وزراء، وقيام الوزراء بإعادة دولاب العمل الحكومي إلى الحركة، وعودة الأحوال إلى طبيعتها في الشارع العراقي·
هذا هو الجزء المتعلق بالأشياء التي جعلتني أشعر بالتفاؤل بشأن العراق· أما الأشياء التي تثير قلقي، فيمكنني إيجازها فيما يلي: أن مقاومة الصدّاميين تزداد قوة لا ضعفا· وهي تزداد قوة بدرجة تستدعي- في نظري- شن حرب جديدة ضد القوى الصدّامية في المثلث السني الواقع حول بغداد· ففي ذلك المثلث كانت هناك فرقتان كاملتان ذابتا ولم يعرف أحد مصيرهما ، مما يعني أنه ما زال يتعين علينا هزيمتهما· يجب علينا إنهاء الحرب، ولكن يجب علينا أن نعرف أننا لا نستطيع أن نقوم بذلك بمفردنا·· لماذا؟ لأن هذا النوع من القتال الدائر حاليا هو من النوع الذي يطلق عليه قتال المدن ، وبالتالي فإننا لو حاولنا حسمه بأنفسنا فإننا سنرتكب ما ارتكبناه خلال الأسبوعين المنصرمين من أخطاء قاتلة، بل ربما المزيد منها·
لقد قمنا بقتل عشرة من رجال الشرطة العراقيين في مدينة واحدة بالخطأ، كما قتلنا صبيا عراقيا يبلغ من العمر 14 عاما في مدينة أخرى، أثناء حفل زفاف كان يتم خلاله إطلاق النار ابتهاجا بالمناسبة كما هي عادة العراقيين · إن الأميركيين الذين لا يتحدثون العربية لا يستطيعون أن يخوضوا قتال مدن في العراق ويجب ألا تراودنا أي أوهام بشأن ذلك· يجب علينا أن نعمل على الخروج من هذا الطريق فورا، وخصوصا لو واجهنا المزيد من الحوادث التي يتم فيها قتل أشخاص أو جنود بنيران صديقة لأننا إن لم نفعل ذلك فإن الأغلبية العراقية الصامتة التي تتوافق معنا في طموحاتها سوف تنقلب علينا، وهو تماما الشيء الذي يريده الصدّاميون· وهذا هو السبب الذي يجعلني أقول إنني سأتوقف عن القلق فقط، عندما أعرف أن الوزارة العراقية الجديدة قد قامت بتشكيل قواتها الأمنية الصلبة (هذا الموضوع مطروح للمناقشة حاليا) مع تزويدها بكل الإمكانيات والمعدات الاستخبارية كي تحارب الصدّاميين وفقا للقواعد المحلية ·
هذه هي الطريقة الوحيدة لاستئصال تلك القوات، وليس هناك من هو أفضل من العراقيين أنفسهم لخوض هذه الحرب· الشيء الثاني الذي سيجعلني أتوقف عن أن أكون متفائلا وقلقا في الوقت نفسه، هو أن أرى العراقيين وهم يقومون، ليس فقط بالقتال من أجل تحقيق طموحاتنا المشتركة، وإنما بالحديث علنا عن تلك الطموحات باللغة العربية·ففي كل مرة كان أحد المسؤولين الأميركيين يخبرني فيها عن عراقيين قاموا بتوجيه الشكر لهم وقد ترقرق الدمع من مآقيهم، لأنهم خلصوهم من حكم صدام·· فإن إجابتي على ذلك تكون بسيطة وهي: هل يمكنكم التفضل بجعل العراقيين يقولون ذلك علنا وباللغة العربية على شاشة شبكة تلفزيون الجزيرة ·
إن الكثيرين من العراقيين يخشون أن نقوم بمغادرة البلد، ويعود صدام مرة أخرى لمعاقبة كل من تعاون معنا· جزئيا يرجع السبب في ذلك إلى أنه في الوقت الذي ننظر فيه إلى أنفسنا على أننا قد قمنا بـ تحرير العراق، وأننا نستحق التصفيق على ذلك ، فإننا ننسى حقيقة مهمة وهي أن العراقيين يعرفون أنهم لم يكونوا قادرين على تحرير أنفسهم ولذلك يشعرون بقدر عميق من المهانة، يفاقم منها وجودنا في بلدهم·
وهناك سبب آخر هو أنه على رغم أننا مع العراقيين نحمل الطموحات ال