بالضجيج الذي أحدثه بوش بحديثه عن الحرب العالمية الثالثة، لم يفعل شيئاً سوى تأكيده لما تكهن به "الديمقراطيون" طوال العام الحالي. ذلك أنه ونائبه ديك تشيني قد عقدا العزم –بدفع حثيث من قبل مجموعة "المحافظين الجدد"- فيما يبدو على توجيه ضربة عسكرية إلى طهران، خلال الفترة الممتدة بين الآن وحلول موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة. ولكن ماذا لو لم يقدم بوش على هذه الخطوة العسكرية؟ سوف تكون تلك أخبار سارة جداً لبقية دول العالم، على الرغم مما تحمله من سوء كامن لخصومه "الديمقراطيين". فإذا ما خضنا الحرب ضد إيران، فإنها ستكون بمثابة استفتاء عام على النتيجة التي ستسفر عنها الانتخابات المقبلة وعلى مصير الحزب "الجمهوري" فيها أياً كان المرشح الذي سوف سيمثله. أما في حال عدم خوض الحرب، فإنه سيتعين على الحزب "الديمقراطي" إعلان موقفه الواضح في مواجهة إحدى القضايا الرئيسية المحددة لمصير السباق الرئاسي هذا. وكما رأينا في الحوار الانتخابي الذي أجري ليلة الثلاثاء الماضي، فإنه ليس للمرشحة الديمقراطية الرئيسية هيلاري كلينتون موقفاً كهذا بعد. والسبب الذي يحمل الكثير من "الديمقراطيين" على الاعتقاد بحتمية مواجهة إيران عسكرياً هو الحماس الذي تبديه الإدارة في إعادة تسويق ذات البضاعة التي بررت بها غزوها للعراق، أي تكتيك الخوف الذي يصور لنا شخصية هتلر شرق أوسطي يتربص بنا ويواصل تآمره في تطوير قنبلته النووية لإحداث هولوكست نووي جديد بنا هذه المرة. والملاحظ أنه يتواصل الترويج لهذه البضاعة باستخدام ترسانة كاملة من أسلحة المعلومات الاستخباراتية المضخمة التي تفتقر إلى معايير المهنية والدقة. وهي في حركة انتشارها هذه، لم تعد بحاجة حتى إلى مساعدة صحفية أو إعلامية كي توسع من دائرة انتشارها. وقد مضى بوش شوطاً بعيداً في اتهامه لإيران بتصدير الأسلحة لأعدائه المقاتلين والمتمردين السُنة في حركة "طالبان"، لولا أن وجهت مجلة "نيوزويك" صفعة قوية لهذا الاتهام مؤخراً في عددها الصادر الأسبوع الماضي. أما في الأوساط الاستخباراتية الواقعية، فإن المعلوم هو أن بوش وليس أحداً غيره، هو من مكن متمردي حركة "طالبان" وعمل على تقوية شوكتهم بتخليه عن ملاحقتهم وفتح جبهة جديدة له في العراق، في حين تمكنت الحركة من إعادة رص صفوفها في كل من أفغانستان وباكستان. بل فتحت سياسات الإدارة نفسها الباب واسعاً أمام تدخل الأصابع الإيرانية في القتال الدموي الدائر ضد قواتنا في العراق. ليس ذلك فحسب، بل إن لحكومة الوحدة الوطنية العراقية، التي يستبسل جنودنا في الذود والدفاع عنها بأرواحهم ودمائهم، من الحلفاء الشيعة في طهران، أكثر مما لها من الحلفاء الأميركيين في واشنطن. لكن ومع ذلك، فإنه ليس بالضرورة أن يعيد تاريخ عام 2002 ذات الأحداث والوقائع التي شهدها ذلك العام حرفياً. وليس ضرورياً القول بتحكم ديك تشيني في سياسات الإدارة الحالية في مرحلة ما بعد رامسفيلد، إبان الولاية الثانية هذه لبوش. فهناك شخصيات عسكرية أكثر عقلانية في الفترة هذه: "روبرت جيتس"، وزير الدفاع، مايك مولين، رئيس القيادة المشتركة لأركان الحرب، "ويليام فالون"، رئيس القيادة المركزية. وما يعلمه هؤلاء جيداً أن في توجيه ضربة جراحية نظيفة لإيران- كما تصور الإدارة- أن تسفر عن تداعيات أشد خطورة وضرراً مما أحدثته "رقصتنا" السريعة الخفيفة في عراق عام 2003. ولنذكر بهذه المناسبة أن مجلة "ذي إيكونومست" قد لخصت في عددها الأخير المخاطر التي تنطوي عليها عملية "الصدمة والرعب رقم 2" فيما لو حدثت خلال موسم الصيف الحالي بقولها:"في إمكان طهران إطلاق مئات الصواريخ على إسرائيل، ومهاجمة القوات الأميركية المرابطة في كل من العراق وأفغانستان، إضافة إلى تنظيم العمليات الإرهابية في الدول الغربية، وإغلاق مضيق هرمز أمام الناقلات النفطية، مع العلم أن ذلك المضيق يمثل أنبوب النفط العالمي الرئيسي". وبعد كل هذا، تلي الأخبار السيئة بحق: فمثلما تشتتت جهود الحرب على تنظيم القاعدة الإرهابي، جراء فتح جبهة عسكرية جديدة في العراق، فإن من شأن فتح جبهة عمل عسكري إضافية في إيران، أن تشعل نيران الإرهاب في باكستان، التي تشكل قاعدة الانطلاق الرئيسية لتنظيم "القاعدة" والمحور الرئيسي الفعلي للحرب على الإرهاب. وكما قال "جوزيف بايدن" ليلة الثلاثاء الماضي، فإذا ما وجهنا ضربة عسكرية إلى طهران في مسعى منها للحيلولة دون حصولها على بضع كيلوجرامات من اليورانيوم المنضب، فإننا نخاطر بتذليل الإطاحة بحكومة الرئيس الباكستاني برويز مشرف المترنحة أصلاً، ما يفتح الأبواب على مصراعيها أمام توجيه الترسانة النووية المتوفرة أصلاً في باكستان، ضد كل من إسرائيل والهند. فهل يعقل أن نطلق عقال حرب إقليمية شاملة، وأن نشيع الفوضى في سوق النفط العالمي، وأن نوسع نطاق الالتزامات العسكرية لقواتنا المستنزفة أصلاً، من أجل الإطاحة بالرئيس الإيراني؟ ونضيف للسؤال أن نجاد ليس هو المالك لزمام القيادة السياسية في بلاده التي تعادل ميزانيتها أقل من 1 في المئة فحسب، من الميزانية الدفاعية للولايات المتحدة الأميركية. صفوني من الصفات السلبية كما تشاءون، ولكنني لا أحسب أن إدارة بوش نفسها يمكن أن تنحدر إلى هذا الحد من جنون المغامرة العسكرية السياسية. ومهما يكن، فإن هناك منطقاً ما لكل هذه التهديدات الصادرة عن البيت الأبيض باحتمال توجيه ضربة عسكرية إلى طهران. فليست قعقعة السيوف أقل طيشاً من السياسات الخارجية للإدارة الحالية، إلا أنها تظل سلاحاً مجرباً للفوز بالسباق الانتخابي الرئاسي المقبل لصالح الحزب "الجمهوري". والفكرة هنا هي أن توجه فزاعات السلاح النووي الإيراني هذه، إلى قلوب الناخبين الأميركيين أكثر مما توجه تهديدات الضربة العسكرية إلى قلوب الحاكمين في طهران. فتلك هي الاستراتيجية الانتخابية للحزب "الجمهوري". وبإعادة اللعب بـ"كرت الخوف" هذا مجدداً، فليس مستبعداً أن يفلح الحزب "الجمهوري" في إطالة أمد بقائه في البيت الأبيض اعتباراً من عام 2008، وإن جاء الفوز هذه المرة باسم إيران. وإنه لغافل من يظن عدم إمكانية نجاح هذا التكتيك، بعد كل الفضائح التي تكشفت عنها ذرائع شن الحرب على العراق. فرانك ريتش ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"