أسباب كثيرة توفر للمراقبين هامشاً من الحركة في الحديث عن أهمية زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش للإمارات، ضمن محطات جولته الشرق أوسطية، التي بدأها أمس الثلاثاء بزيارة إسرائيل. هناك موقف الإمارات من عملية الشد والجذب في الأزمة النووية الإيرانية، وهناك تأثير الأزمة التي لاحت عقب الاعتراضات في الداخل الأميركي على صفقة موانئ دبي العالمية لإدارة الموانئ الأميركية، كما أن هناك اختيار البيت الأبيض لدولة الإمارات لتكون مكاناً لإلقاء محاضرة الرئيس بوش عن الأوضاع في المنطقة. وكما هو واضح من خلال التفاصيل المرافقة لزيارة الرئيس بوش لدولة الإمارات ضمن جولته للشرق الأوسط، فإن زيارته إلى العاصمة أبوظبي، تعد الأهم عربياً، كما أن اختيار فريق مستشاريه الإمارات لإلقاء محاضرته التي يخاطب فيها العالم، إنما هو نتيجة مباشرة لدور الإمارات الواسع في محيطها الإقليمي العربي خصوصاً والدولي بشكل عام لاسيما في تلك الملفات ذات الأهمية الاستراتيجية في سياسة الإدارة الأميركية الحالية وفي الأمن والسلام الدوليين سواء في العراق أو في قضية الشرق الأوسط وأفغانستان وفي محاربة الإرهاب وعلى المستوى الثنائي الاستثمارات المالية والمحافظة على استقرار أسعار النفط العالمية. الإمارات تمكنت من بناء علاقات قائمة على الثقة بها وبسياستها من قبل الغير، باعتبار أن سياستها قائمة على فكر سياسي متزن ومعتدل، تدعمه دبلوماسية هادئة واقتصاد متطور في منطقة معروفة بتخلفها الاقتصادي ومليئة بالتطرف وبالكثير من الصراعات المختلفة، داخل كل دولة وخارجها. والإمارات استطاعت أيضاً، أن يكون لها نهج مختلف عن الدول العربية؛ فقد كرست علاقات قائمة على تبادل المنافع مع الدول الكبرى، وهو الحاصل الآن بين الإمارات والولايات المتحدة. علاقة الإمارات مع الولايات المتحدة ليست جامدة، ولا هي تسير باتجاه واحد، فهي قابلة للاتفاق كما أنها قابلة للتباين والنقاش وفق مقتضيات الأحداث واتجاهات المصالح، ولكنها في الحالتين لديها من الصلابة ما يحول دون سقوطها إلى أي منحنيات توتر أو صدام مصالح، وهذا ما حدث بالفعل في أزمة صفقة موانئ دبي العالمية العام الماضي التي تم احتواؤها بسرعة بفضل مرونة الدبلوماسية الإماراتية، التي مكنتها من الخروج من هذه الأزمة بأقل خسائر سياسية. الإمارات، ومن دون أي مبالغة أو مزايدة، باتت نقطة جذب للاستثمارات وقطاعات المال والأعمال من مختلف دول العالم، وإذا أضفنا إلى هذه الميزة القدرة على كسب الأصدقاء، يمكننا القول بأن علاقات الإمارات مع القوى الكبرى تمتلك مجال مناورة نسبيا للخلاف لا يقل عن مساحة تلاقي المصالح؛ بحيث يصبح التباين في وجهات النظر بين البلدين حيال بعض الموضوعات والقضايا أمراً عادياً ووارداً، وهذا أمر قائم في ظل تعقد العلاقات الدولية وتداخلها؛ لأنه من الصعب الحديث عن المفاهيم والجمل التقليدية المتكررة مثل "تطابق وجهات النظر" و"التفاهم التام" حيال قضايا أو موضوعات معينة. لست مع الذين يعتقدون بأن أهمية زيارة بوش لدولة الإمارات تنطلق من اعتبارها أول زيارة لرئيس أميركي لدولة الإمارات، لأن ما يستوجب الانتباه له والتركيز عليه، هو ذلك المعنى من اختيار بوش الإمارات مكاناً لمخاطبة العالم، فهنا الاختلاف في جولة بوش الشرق أوسطية، وللعلم، فإن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كانت قد اختارت الإمارات في العام الماضي خلال جولتها للمنطقة لتخاطب العالم عندما كانت ألمانيا رئيساً للاتحاد الأوروبي. أهمية زيارة بوش لا يمكن النظر إليها فقط انطلاقاً من موقع الولايات المتحدة على خريطة التوازن الدولي، ولكن أيضاً بالنظر إلى الحقائق السياسية الجديدة المتعلقة بنظرة العالم لدور دول الخليج، والدور الإماراتي تحديداً، لاسيما في ظل ما تمر به منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، ومنطقة الخليج العربي بشكل خاص، من توترات يتداخل فيه الدور الأميركي بشكل مباشر أو غير مباشر.