تمثّل المياه الشريان الرئيسي للحياة، وثمّة دراسات عدّة، تقول إن حروب المستقبل في منطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد، ستكون بسبب النزاع حول مصادر المياه، وذلك بسبب النقص السريع الحادث في هذه المصادر في العديد من مناطق العالم. ومنطقة الخليج ليست استثناءً في هذا المجال، حيث تؤكد الإحصائيات أن نصيب الفرد من المياه العذبة قد نقص بنسبة 90%، خلال السنوات العشرين الماضية، حيث بلغ 907 أمتار مكعبة بعد أن كان 1700 متر مكعب. وفي دولة الإمارات هناك مصادر متعدّدة للمياه العذبة، ولكن هناك مشكلة كبيرة في نمط الاستهلاك، حيث إن ما يستهلكه الفرد الواحد يزيد على الكميات التي يستهلكها أي فرد في أي دولة أخرى في العالم باستثناء الولايات المتحدة وكندا، ومن ثم، يمكن القول إن الدولة تعاني من ظاهرة الاستهلاك غير الرشيد للمياه، على الرغم من ندرتها على مستوى المنطقة كلّها، وتشير المعطيات المتاحة في هذا المجال إلى أن العجز في المياه الجوفية بالإمارات ارتفع إلى 2126 مليون متر مكعب سنوياً. وهناك آبار جفّت مياهها بسبب استنزاف المياه بضخّها من تلك الآبار بشكل جماعي، وانقطاع مواسم الأمطار لفترات طويلة. إضافة إلى ذلك، فإن المياه الجوفية في الإمارات تعاني تزايداً في نسبة الملوحة وانخفاضاً في المستوى، بسبب الإفراط في استخراجها. وفي سبيل التعاطي مع هذا الوضع، فإن الدولة تقوم بجهود كبيرة، حيث تمّ بناء نحو 115 سداً وحاجزاً بسعة تخزينية تقدّر بـ (117) مليون متر مكعب كمشروعات تغذية للمياه الجوفية. كما أن هناك جهوداً كبيرة تبذل في مجال الحفاظ على مخزون المياه الجوفية، وهناك خطة تشغيلية متكاملة للتنمية المستدامة للموارد المائية في الدولة من خلال أنشطة فنية متخصّصة في تقويم الموارد المائية. وتمّ إصدار قوانين بتحديد المواصفات والأنظمة العالمية المتّبعة في الدول المتقدّمة في مشروعات تحلية مياه البحر. وعلى الرغم من كل هذه الجهود التي تبذل في مجال ترشيد استهلاك المياه وتنمية مصادرها المختلفة، فإن هناك حاجة ملحّة لبذل المزيد من الجهود على أصعدة متعدّدة، أولها، ضرورة تفعيل الجهود الخاصة بالحفاظ على مصادر المياه الجوفية وتلك المتعلّقة باكتشاف مصادر جديدة. وضرورة تفعيل النظام الخاص بالمياه المحلاة ومياه الصرف الصحّي بحيث تستطيع الجهات المحلية متابعة الشركات العاملة في مجال إنتاج المياه المحلاة من الآبار لتتم متابعتها دورياً للحدّ من استنزافها للمخزون الجوفي، بالتنسيق مع الجهات الاتحادية والمحلية. كما أن هناك حاجة ماسّة لتكثيف الاهتمام الخاص بالينابيع والعيون وتفعيل النظام الخاص بصيانة المنشآت المائية التقليدية مع التوسّع في إنشاء السدود للمحافظة على المياه الجوفية، وإنشاء شبكات الرّي الحديثة. ثانيها، ضرورة تحديد سقف معيّن للدعم الحكومي الخاص بالمياه يتم تحديده وفقاً لعدد أفراد الأسرة، فإذا ما زاد الاستهلاك على الحدّ المسموح به يتم دفع ثمن الكمية المستهلكة من المياه كاملة بأسعارها الحقيقية، دون دعم كأحد الحلول المقترحة لإلزام الناس بعدم الإسراف في استخدام المياه. ثالثها، ضرورة الحدّ من استهلاك القطاع الزراعي للمياه العذبة، من خلال الاهتمام ببعض المحاصيل التي يمكن زراعتها في التربة المالحة ذات مصادر المياه القليلة. رابعها، نشر الوعي البيئي لتعزيز سلوك ترشيد استهلاك المياه بحيث يبدأ بطلبة المدارس في مراحلهم الأولى. واتخاذ خطوات محدّدة على صعيد تنمية الشعور بالمسؤولية البيئية، لأن غياب مثل هذا الشعور يعدّ سبباً رئيسياً وراء تفشّي ظاهرة الاستهلاك الجائر للمياه. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.