مفهوم المصلحة الوطنية هو إحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها السياسة الخارجية، وعمليات إدارة وتوجيه السياسة الخارجية عادة مايتم تبريرها في صيغ من تحقيق أو المحافظة على المصلحة الوطنية للقُطر المعني. وهذه تعتبر الحاصل النهائي للعديد من الاعتبارات الاقتصادية والسياسية والجغرافية والعسكرية والأيديولوجية والثقافية. الاعتبارات السياسية تغطي المحاولات التي يقوم بها قُطرٌ مَّا لتحسين قوته أو نفوذه في الخارج ويكسب الأصدقاء والحلفاء والشركاء عن طريق التحالف معهم. وتشمل الاعتبارات الاقتصادية الدفع إلى الأمام بانتعاش البلد الاقتصادي باستخدام سياسات مصممة خصيصاً لتوسيع التجارة والاستثمارات الخارجية في نفس الوقت الذي تتم فيه المحافظة على قيمة عملة البلاد في مقابل العملات الأجنبية. أما البعد العسكري-الإستراتيجي، فيتضمن السياساتِ المصممةَ للدفاع عن حدود البلاد وكيانها وسيادتها ضد أي معتدٍ، أو هي الجهود الهادفة إلى تحقيق كافة أهداف السياسة الخارجية في الخارج. وتشمل الاعتبارات الأيديولوجية دعم وتقوية سمعة النظام السياسي والاقتصادي في الخارج، في الوقت الذي تشمل فيه الاعتبارات الثقافية-الاجتماعية المحافظة على القيم الأساسية للقُطر وتقاليده وعاداته وأنماط المعيشة والحياة فيه. تعريف المصلحة الوطنية أو تحديدها بشكل دقيق يواجه مشكلة ويتحاور حولها أصحاب المدارس الفكرية من علم السياسة. فالمدرسة الواقعية، تؤكد على أهمية مقولة المصلحة الوطنية التي يمكن تعريفها على أنها الاستخدام الحذر للقوة من قبل قُطرٍ مَّا، لكي يحقق مصالحه الحيوية في الخارج. والافتراض هنا هو أن المصلحة الوطنية لقُطرٍ مَّا ثابتة عادة. وتوجد مجموعة مشاكل تواجه هذا المنهج أولها أنه شديد التحديد مفترضاً أنه يوجد لدى الشعوب إرادة حرة محدودة، لكي يقوموا باتخاذ قراراتهم بأنفسهم. في الممارسة قد تختلف أهداف السياسة الخارجية في المدى الخاص بالأولويات، وذلك وفقاً للظروف وما يفضله متخذو القرار في تلك اللحظة. وتوجد مشكلتان أخريان من شأنهما تحديد من هو الذي يحدد المصلحة الوطنية. ربما من الممكن أن يقوم عامة المواطنين أو مجموعات أقليات متعددة أو المؤسسة العسكرية بتعريف المصلحة الوطنية بشكل مختلف عن النخبة السياسية الحاكمة والبيروقراطية التي تسير بها أمورها. مجموعات معينة كالمؤسسة العسكرية ربما تكون أكثر اهتماماً باتباع سياسات معينة من شأنها أن تعزز مواقفهم الخاصة عوضاً عن تحقيق الخير العام. الاتصالات والولاءات المتزايدة على مساحة حدود البلاد ونمو منظمات دولية بعينها هي بمثابة تطورات إضافية، تجعل من الصعب تحديد المصلحة الوطنية لبعض الأقطار. ومنذ نهاية الحرب الباردة تقريباً، وربما بعد ذلك بقليل أخذت بعض الدول في التقليل من أهمية أهداف السياسة الخارجية التقليدية التي كانت عادة عنيفة في طبيعتها، وعوضاً عن ذلك تم إعطاء أهمية أكبر للرفاه الداخلي والقضايا الاقتصادية التي تهتم بتوزيع الثروة الوطنية والتشارك فيها وبالقضايا المشابهة لذلك على المستوى العالمي. ربما يرغب قُطرٌ مَّا في عزل نفسه عن شؤون العالم، أو في أن يصبح محايداً، والأكثر اعتياداً هو أن الأقطار تحاول الاحتفاظ بالوضع القائم، أو الإذعان للتغيرات الحاصلة، أو تسعى بنشاط عبر الوسائل السلمية أو العنفية لإحداث التغييرات. وكل قُطر سيستفيد من أدوات السياسة المتعددة، والتكتيكات أو التقنيات في تحقيق مصلحته الوطنية والاحتفاظ بالوضع القائم أو تحقيق تطلعاته إلى الأخذ بروح التطور. وتشمل الأدوات السياسية- القانونية استخدام القنوات المعترف بها للمفاوضات كالوساطة والتحكيم. أما الأدوات الأخرى، فهي التفاوض حول معاهدة أو التحالف أو إعلان الحياد أوإرسال المذكرات إلى رئيس الدولة بخصوص سياسة بلاده أو استدعاء الدبلوماسيين العاملين لدى الدولة التي يوجد معها خلاف. ومن خلال استخدام سياسة عدم التدخل، قد تساعد القوى الخارجية على انتصار طرف دون آخر في حرب أهلية قائمة، في نفس الوقت الذي قد تؤدي فيه التنازلات إلى تقوية أطراف معتدية ضد أطراف أخرى، كما حصل بالنسبة لوقوف الغرب موقفاً متهاوناً مع احتلال إيران لجزر دولة الإمارات الثلاث. الإجراءات الاقتصادية- المالية تشمل فرض العقوبات الاقتصادية؛ فالولايات المتحدة استخدمت العديد من العقوبات الاقتصادية على كل من العراق وإيران فيما عرف بعملية الاحتواء المزدوج لكلا القطرين أثناء حربهما ضد بعضها بعض. وأيضاً قد يتم استخدام أنواع من الدعاية السياسية والحرب الأيديولوجية ضد أقطار تُصنف بأنها أعداء أو غير صديقة، أو استخدام أنماط من التجسس أو التخريب، وقد يقوم قُطرٌ مَّا بتشجيع مجموعات من مواطني دولة أخرى على الاشتراك في حرب عصابات ضد نظام الحكم في بلادهم، أو أن تتدخل هي ذاتها عسكرياً.