نتيجة للأحداث الدرامية التي مرت منذ العقد الأخير من القرن العشرين، انفتح العالم على حقل جديد من الليبرالية الاقتصادية. ويشير علماء الغرب إلى أن ثلث قوة العمل الدولية كانت توجد في الدول الاشتراكية السابقة، ولكن منذ انهيار المعسكر الاشتراكي، أصبحت اقتصاداتها مندمجة في الأسواق الرأسمالية العالمية. الانتقال السريع إلى الاقتصاد الحر لم يشكّل معضلة أمام الدول التي شاءت ذلك، وهذا دليل على أن توافر بدائل ناجحة لاقتصاد السوق ليس ممكناً بسهولة. فرغم الطول النسبي لفترة التجرية التي قامت بها الدول الاشتراكية السابقة لإيجاد نظام اقتصادي بديل للنظام الرأسمالي، وما حاولته في السنوات الثلاثين الأخيرة كل من إيران والسودان وأفغانستان -أثناء حكم "طالبان"- تأسيس نظام اقتصاد إسلامي، إلا أن نظام السوق هو الذي أطل برأسه مجدداً في جميع الحالات. ويُضاف إلى ذلك أن الصين التي لا يزال العالم ينظر إليها على أنها آخر قلاع الاشتراكية والتوجيه المركزي للاقتصاد، هي الأخرى تغلغلت فيها مبادئ الرأسمالية والسوق المفتوحة والعولمة، وحققت نجاحات مذهلة. الانتشار الواسع لمقولات أنماط الليبرالية الجديدة والعولمة والاعتماد المتبادل لم تندفع إلى الأمام بسبب فشل تجارب المقولات الأخرى فقط، ولكن عن طريق الولايات المتحدة الأميركية لها أيضاً، فالأخيرة تهيمن على المؤسسات المالية والتجارية العالمية كافة وتدفع بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لفرض شروط معينة على الدول المتلقية لدعمها وإجبارها على وضع قيود سياسية لدور الحكومات في الاقتصاد، وإلى رفع الدعم الحكومي عن السلع التموينية الأساسية كافة، كما وتمارس أيضاً نفوذاً قوياً على منظمة التجارة العالمية لمعاملة الدول النامية بطريقة متشددة. وبعيداً عن فهم العلاقات الجديدة التي نتجت عن تأثيرات العولمة ومقولاتها على أنها نتاج حتمي لقوى السوق، فإن الأرجح هو أن الأوضاع الجديدة هي نتاج لتصرفات الدول ذاتها التي فتحت الحدود لدخول السلع والأفراد كافة، وعقدت الاتفاقيات الدولية الملزمة، ووضعت التشريعات لدخول العمالة الأجنبية، ولأن المشاكل تظهر وهي لها أصول سياسية، فهي قابلة للمراجعة والحل، عندما تتحرك الدول لفعل ذلك، وعليه فإن إحدى مفارقات مخرجات العولمة، هي إعادة تركيز الاهتمام السياسي على دور الدولة في حماية الحدود الوطنية. ونتيجة للشعور بالمخاطر التي يمكن أن تنتج عن زحف العولمة، يتحرك العديد من المواطنين في دول الغرب، خاصة الولايات المتحدة وفرنسا، وفقاً لخطوط جديدة للتصادم مع العولمة في سبيل درء مخاطرها. وفي العديد من الدول الصناعية، ظهر معسكر سياسي جديد ينتظم حول برنامج من إعادة السيطرة على الحركة عبر الحدود، ويمكن ملاحظة وجود مؤيدين لهذا التوجه عبر كامل الطيف السياسي لتلك الأقطار. وإذا كان الاعتماد المتبادل قد زاد خاصة في أعقاب الأحداث الدولية الجسيمة التي ألمت بالعالم منذ بداية القرن الجديد، فقد نتج عن ذلك أمر جديد في العلاقات الدولية، تمت تسميته بالاعتماد المتبادل المعقد. وفي سياق ذلك تلاحظ أمور ثلاثة هي: أولاً: تزايد في القنوات العابرة للحكومات والأوطان، مما يعني انخفاضاً في تماسك الدولة الوطنية بمفاهيمها التقليدية وطبيعتها المنغلقة. ثانياً: تغيرت المصالح الوطنية لكي تصبح مجموعة من المصالح الوطنية الجزئية، ولم يعد الأمن الوطني بمفاهيمه العسكرية يسيطر على الأجندة كما كانت عليه الأوضاع من قبل. ثالثاً: يوجد شك مبرر في أهمية وتأثير القوة العسكرية في حل الصراعات الدولية خاصة الاقتصادية منها. الأمور الثلاثة آنفة الذكر، أثرت على موقع دولة الإمارات في الوضع العالمي الجديد، وأكسبته شيئاً من القوة نتيجة للتحسن الكبير في وضعها الاقتصادي. دولة الإمارات في هذه المرحلة تستفيد فعلياً وتستمد القوة بشكل خاص من العامليْن الثاني والثالث، ويحدث ذلك بشكل أوضح من بقية الدول الأخرى في الخليج والعالم العربي ومحيطه الجغرافي لأسباب كامنة ترتبط بقوة اقتصادها وتميزها في الانفتاح على الآخر وانفتاح الآخر عليها وطبيعة السياسة الخارجية التي تنتهجها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن دولة الإمارات تتأثر بشكل مختلف بالعامل الأول وتستمد القوة منه بطريقتها الخاصة. ففي الوقت الذي تستفيد فيه الدولة والقطاع الخاص من زيادة القنوات العابرة للدول والأوطان، فإن التعاون الوطيد بين الدولة والقطاع الخاص يعمل بشكل أكثر كفاءة عندما يتم التوجه إلى التوسع الاقتصادي إلى الخارج. وهذا يعني بأن سيادة الإمارات كدولة تتأثر بدرجة أقل بمقولات العولمة التي تقول إن المقولات العابرة للأوطان تنقص من سيادة الدول.