الاختيار الملهم الذي اختاره الشعب الأميركي بانتخابه باراك أوباما ليكون الرئيس الرابع والأربعين يعبد الطريقَ لاختيار حاسم و مصيري آخر عليه - وعلينا - أن نقوم به في يناير المقبل للشروع في إنقاذ الحضارة الإنسانية بشكل عاجل من التهديد الوشيك والمتزايد الذي تطرحه أزمة المناخ. الهيئة الدولية المكلفة بالنظر في هذه الأزمة، أو "الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ"، وبعد 20 سنة من الدراسة المعمقة، وأربعة تقارير نالت الإجماع، تقول اليوم إن الدليل "واضح لا لبس فيه". وللأشخاص الذين مازالوا ينزعون إلى رفض التحذيرات المتزايدة من قبل العلماء عبر العالم، أقول: انسوا أمر ذوبان الكتل الثلجية في القطب الشمالي وكل التحذيرات الأخرى التي يرسلها الكوكب نفسه؛ وللذين يشككون في التحذيرات التي يطلقها الخبراء بخصوص تهديد وجودي لمستقبل الجنس البشري، أقول : رجاء استيقظوا، إن أطفالنا وحفدتنا في حاجة إلى أن تسمعوا وتقروا بحقيقة الوضع قبل فوات الأوان. ولكن، إليكم بعض الأخبار السارة: الخطوات الجريئة والشجاعة اللازمة من أجل حل أزمة المناخ هي نفسها التي ينبغي اتخاذها من أجل حل الأزمة الاقتصادية وأزمة أمن الطاقة. فالخبراء الاقتصاديون بمختلف انتماءاتهم - ومنهم مارتن فيلدشتاين ولورانس سمرز - يتفقون على أن الاستثمارات الكبيرة والسريعة في مبادرة لإنشاء البنى التحتية، توفر مناصب عمل كثيرة، هي الطريقة الأفضل لإنعاش الاقتصاد على نحو سريع ودائم. كما يتفق الكثيرون أيضاً على أن اقتصادنا سيتراجع إلى الوراء في حال استمررنا في إنفاق مئات المليارات من الدولارات على النفط الأجنبي كل سنة. وعلاوة على ذلك، فإن خبراء الأمن القومي من كلا الجانبين يتفقون على أننا سنواجه ضعفاً استراتيجياً خطيراً في حال توقفت الإمدادات النفطية القادمة من الشرق الأوسط عن العالم. قبل خمسة وثلاثين عاما، أنشأ الرئيس ريتشارد نيكسون "مشروع الاستقلال"، الذي سطر هدفاً وطنياً يتمثل في تطوير الولايات المتحدة في غضون سبع سنوات "إمكانيات لسد احتياجاتنا في مجال الطاقة من دون الاعتماد على أي مصادر طاقة أجنبية". وجاء تصريحه هذا بعد ثلاثة أسابيع على الحظر النفطي العربي الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية وأيقظ أميركا وجعلها تنتبه إلى خطر الاعتماد على النفط الأجنبي. في تلك الفترة، كانت الولايات المتحدة تستورد أقل من ثلث نفطها من بلدان أجنبية. أما اليوم، وبعد أن كرر كل الرؤساء الستة الذين أعقبوا نيكسون نسخاً مختلفة من هذا الهدف، فقد تضاعف اعتمادنا من الثلث إلى الثلثين تقريباً- والكثيرون يشعرون أن الإنتاج النفطي العالمي بلغ ذروته أو يكاد. بيد أن البعض ما زال ينظر إلى هذا الأمر على أنه مشكلة إنتاج داخلي، ويجادل بأنه إذا تمكنا من زيادة إنتاج النفط والفحم في الداخل، فإننا لن نكون في تلك الحالة في حاجة للاعتماد على الواردات النفطية القادمة من الشرق الأوسط. هذا في حين يقترح البعض طرقاً جديدة أغلى وأكثر تلويثاً لاستخراج أنواع الوقود القديمة نفسها من قبيل الرمال النفطية والصخور الزيتية وتكنولوجيا "الفحم النظيف". لكن في كل هذه الحالات، فإن الموارد غالية جداً أو ملوِّثة جداً، أو، كما في حالة "الفحم النظيف"، تقوم على التخيلات والأوهام بخصوص إحداث الفرق بالنسبة لأمننا القومي أو المناخ العالمي. فالأشخاص الذين ينفقون مئات الملايين في الترويج لتكنولوجيا "الفحم النظيف" يغفلون دائماً حقيقة أنه لا توجد استثمارات كبيرة، ولا يوجد مشروع تجريبي كبير في الولايات المتحدة لالتقاط ودفن وحبس كل هذا التلوث بطريقة آمنة. والحق أنه إذا استطاع قطاع الفحم إثبات فعالية هذه التكنولوجيا، فسأكون من أول المؤيدين لها. ولكن إلى أن يأتي ذلك اليوم، علينا أن نتحرك بشكل عاجل . وفي ما يلي ما نستطيع فعله اليوم: نستطيع القيام باستثمارات استراتيجية آنية كبيرة لتوفير عمل للناس، عبر استبدال تكنولوجيات الطاقة التي تنتمي للقرن التاسع عشر وتعتمد على أنواع الوقود الخطرة والمكلفة المنتجة للكربون بتكنولوجيات حديثة من القرن الحادي والعشرين تستعمل الوقود المجاني: الشمس، الرياح، الحرارة الطبيعية للأرض. وفي ما يلي مخطط من خمسة أجزاء لإعادة تزويد أميركا بالطاقة مع التزام بإنتاج 100 في المئة من الكهرباء التي نستهلكها من مصادر خالية من الكربون في غضون 10 سنوات. وهو علاوة على ذلك مخطط سينقلنا بشكل متزامن نحو حل أزمة المناخ وحل الأزمة الاقتصادية - وتوفير ملايين الوظائف الجديدة التي لا يمكن تصدريها. أولا: على الرئيس الجديد والكونجرس الجديد اقتراح استثمارات كبيرة في المحفزات لإنشاء محطات الطاقة الشمسية في صحاري الجنوب الغربي، وطاقة الرياح في الممر الممتد من تكساس إلى ولايتي داكوتا، ومحطات متطورة لاستغلال النقاط الساخنة للحرارة الأرضية التي يمكن أن تنتج كميات كبيرة من الطاقة. ثانياً، علينا ان نبدأ في إنشاء شبكة وطنية موحدة لنقل الكهرباء المتجددة من المناطق الريفية حيث يُنتج معظمها إلى المدن حيث يُستهلك جلها. ثالثاً: علينا أن نساعد قطاع صناعة السيارات في أميركا (ليس الشركات الثلاث الأولى فقط، وإنما أيضا الشركات المبتدئة الجديدة المبتكرة) للتحول بسرعة إلى السيارات الهجينة التي يمكن أن تشتغل بالكهرباء المتجددة التي ستكون متوفرة بموازاة مع تطور ونضج هذا المخطط. رابعاً: علينا أن ننكب على جهود على صعيد كل الولايات لإعادة تزويد المباني بأنظمة عزل حراري أفضل ونوافذ وإضاءة تساهم بشكل أكبر في ترشيد استهلاك الطاقة. خامساً: على الولايات المتحدة أن تتزعم الجهود الدولية عبر وضع ضريبة على الكربون هنا في الولايات المتحدة، وعبر تزعم الجهود العالمية لاستبدال اتفاقية كيوتو العام المقبل في كوبنهاجن باتفاقية أخرى أكثر فعالية تحدد أسقفاً لانبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون العالمية وتشجع البلدان على الاستثمار بشكل جماعي في طرق فعالة لخفض التلوث المسبب لارتفاع حرارة الأرض، ومن ذلك الحد بشكل كبير من التصحر. وبالطبع فإن الطريقة الأفضل - والوحيدة - لتأمين اتفاقية عالمية لحماية مستقبلنا تتمثل في عودة الولايات المتحدة إلى دورها باعتبارها البلد ذا السلطة السياسية والأخلاقية لقيادة لعالم نحو الحل. وإذ أتطلع إلى المستقبل، فإن الأمل يحدوني في أن نتحلى جميعا بالشجاعة لتبني التغيرات اللازمة لإنقاذ اقتصادنا وكوكبنا وأنفسنا. --------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"