نمر الآن بلحظة من لحظات تاريخنا الحديث، التي يتعين علينا فيها اتخاذ قرارات كبيرة. وعلى الرغم من أن الأمة الأميركية قد تزودت بطاقة جديدة بانتخابها لأول رئيس من أصول أفريقية، فإنها لا تزال تعاني العديد من المشكلات، ويحتاج شعبها إلى المساعدة. لقد قاد الرئيس المنتخب"باراك أوباما" حملة انتخابية تميزت بدرجة عالية من الذكاء التكتيكي، إلا أنه لم يتناول المشكلات الاجتماعية التي تعاني منها البلاد بشكل كافٍ خلالها. وفي هذه اللحظة من لحظات التغيير، فإن أوباما والكونجرس معا مطالبان بالبدء فورا بالإصلاحات التي تأخرت كثيراً عن موعدها. نعيد إلى الذاكرة هنا أنه بعد الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، والحرب العالمية الثانية، وفترة الازدهار التي تلتها، أبرمت الحكومة الأميركية "عقداً جديداً" مع الشعب. فبدلاً من العمل الشاق، والإنتاج الكبير، والضرائب، وعدت الحكومة بمنح أفراد الشعب الأميركي حقهم العادل من المزايا الاجتماعية والاقتصادية، وتوفير شبكة أمان تقيهم في الأيام الصعبة، وتزويدهم بضمان لتقاعد آمن، يقيهم غائلة الفقر وتقلبات الزمان في سنوات العجز والشيخوخة. ولكن ما تبين في شهر يوليو الماضي من خلال المسح الذي أجرته "مؤسسة روكفلر" بالتعاون مع مجلة" التايم" أن الأميركيين يعتقدون أن"العقد الاجتماعي"، قد فقد جزءاً كبيراً من فاعليته، وأن 78 في المئة منهم يطالبون بآخر جديد. ومن الواضح أن ذلك العقد قد تمزق إرباً خلال ذلك السيل العارم من الأنباء الاقتصادية السيئة التي اجتاحت بلادنا منذ ذلك الوقت حيث يقف الأميركيون في الوقت الراهن على أعتاب الانهيار في كثير من المجالات. ففي خلال الشهور الثلاثة الماضية فقد 651,000 عامل أميركي وظائفهم، وهو ما ساهم في وصول نسبة البطالة إلى 6.5 في المئة، وهي أعلى نسبة منذ عام 1994. فضلاً عن ذلك، تبين أن المواطن الأميركي يعمل في الوقت الراهن عدداً أكبر من الساعات، ويكسب دخلاً أقل (تشير الإحصائيات إلى أن معدل الأجور قد انخفض بنسبة 12 في المئة خلال الفترة ما بين 1974و2004، وأن هناك ملايين من الأميركيين يواجهون حالياً خطر الحجز على عقاراتهم لعدم سدادهم لقيمة الرهن، وأن هناك ما يزيد عن 47 مليون أميركي لا يمتلكون تأميناً صحياً، وأن تكلفة العلاج الطبي قد أصبحت هي السبب الرئيسي في إفلاس الكثير من الأفراد حيث تقدر مصادر طبية رسمية أن هناك 18 ألف أميركي يموتون سنوياً بسبب عدم قدرتهم على مواجهة نفقات علاجهم. الأميركيون يستحقون أفضل مما يحصلون عليه حالياً. فنحن نريد"عقداً جديداً" يتناسب مع القرن العشرين.. عقداً يستعيد المساواة لنسيج مجتمعنا، ويستعيد الدور العادل لحكومتنا باعتبارها المسؤولة عن خدمة الشعب، وحمايته في المقال الأول. والعقد الجديد يجب أن يتضمن عدداً من المكونات الجوهرية التي يمكن لنا إجمالها بما يلي: -أجر معيشة أساسي لكل أميركي لا يقل عن 10 دولارات في الساعة. أما الأجر الحالي وهو 6.55 دولار، فيعني أن الدخل السنوي للموظف الأميركي المتفرغ لن يزيد عن 13,624 دولارا أميركيا، وهو دخل لا يكفي لإنقاذ أسرة مكونة من ثلاثة أشخاص أو أقل من السقوط إلى مادون مستوى الفقر. - توفير الرعاية الصحية للأميركيين بأسعار في متناول الجميع. - إجراء عملية إعادة تقييم جوهرية لقوانين الضرائب الموجودة حالياً، على أن يتم ربط الضرائب وفقاً للسلوك والأحوال التي تأتي في آخر قائمة تفضيلاتنا مثل صناعة المواد التي تسبب إدماناً، والتلوث، والمشتقات المالية القائمة على المضاربة، والاستهلاك الترفي المفرط، بدلاً من ربطها بالعمل والطعام والملابس وغيرها من الاحتياجات الضرورية. - إنشاء "مؤسسة جديدة لإقراض مالكي العقارات"، وهي عبارة عن مؤسسة تتماشى مع ظروف العقد الجديد، تعمل على شراء الرهونات من ملاك المنازل المعرضين لخطر العجز عن السداد، وإعادة عرضها عليهم بشروط أكثر يسراً. - إصلاح نظام المعاشات؛ فيجب أن تكون المؤسسات والشركات مسؤولة على تأمين موظفيها في حالة تقاعدهم، كما أننا بحاجة لمنح العمال صوتاً في لجنة المعاشات، ومنحهم الحق في الإشراف على نظام المعاش التقاعدي الخاص بهم والمعروف بـخطط 401 (K). -تفعيل نظام الضريبة على المضاربة: فمن المعروف أن تبادل وحدات المشتقات المالية (أي العقود الفرعية المتفرعة عن عقود رئيسية) بغرض الانتفاع من التغيرات السريعة في الأسعار، كان واحداً من الأسباب الرئيسية، التي أدت إلى الارتفاع غير العادي في أسعار النفط في محطات تعبئة الوقود، وإلى انهيار صناعة الرهن العقاري، وتدهور الشركات العاملة في قطاع التقنية الرقمية "الدوت كوم". - تفعيل ضريبة الكربون بهدف تخفيض نسبة انبعاثات الغاز في الولايات المتحدة بمقدار 80 في المئة أقل مما كانت عليه في تسعينيات القرن الماضي، وذلك بحلول العام 2050 على أقصى تقدير. -الصرامة في التعامل مع الجرائم المؤسسية من خلال زيادة الميزانيات المخصصة للمحاكمات، وكبح جماح الزيادات الهائلة في أجور المديرين، وإغلاق الثغرات التي تساعد البعض على التهرب من الضرائب من خلال ممارسة الأنشطة في الخارج. هذه الأهداف ليست بالأهداف غير الواقعية، ونحن قادرون على تحقيقها بالفعل وذلك من خلال إنهاء وجودنا العسكري والمؤسساتي في العراق، وأفغانستان، وإعادة ترتيب أولوياتنا الوطنية، والتركيز على مواجهة الفقر، وعدم الأمان الوظيفي، وعدم المساواة العنصرية، وتدهر التعليم العمومي الذي يعاني من نقص التمويل، والجشع المؤسساتي. قيل إن أوباما قد ألهم حركة تغيير، وهذا صحيح، لكن المواطنين الناشطين مطالبون مع ذلك ألا يركنوا للراحة، وأن يعرفوا أن الوقت قد حان لممارسة الضغط على الرئيس والكونجرس الجديدين لضمان تنفيذ الإصلاحات المذكورة. لقد انقذ دافعو الضرائب المقامرين في "كازينو" "وول ستريت" مؤخراً بمبلغ 700 مليار دولار، وأرى أن الوقت قد حان الآن لإنقاذ الشعب الاميركي بأسره. ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"