دعوا الرجل يقتني هاتفاً جوالاً من نوع "بلاك بيري"! كان هذا ما قلته في اجتماع لكبار أعضاء الفريق الانتقالي لباراك أوباما، عقد في واشنطن نهاية الأسبوع الماضي. والسبب الذي جعلني أقول ذلك هو إنني وبسبب خبرتي في العمل مع أوباما، والتي تعود إلى ما قبل انطلاق الانتخابات، تولدت لديَّ قناعة مؤداها إنه إذا ما فقد الرجل قدرته على الاتصال بأصدقائه القدامى، وخلصائه المؤتمنين، ولم يتمكن من اختراق تلك الفقاعة التي تعزل كل رئيس عن الأشخاص الذين انتخبوه، فإنه سيتحول إلى أسد سجين في قفص حديدي، يمضي وقته في التجوال القلق في أرجاء الجناح الغربي من البيت الأبيض متسائلًا فيما بينه وبين نفسه عما يجري في الجانب الآخر من القضبان الحديدية المحيطة بـ"بيت الشعب". إن قدرة الرئيس على الاتصال خارج نطاق الدائرة الداخلية الضيقة المحيطة به، تمنحه قدرة على الوصول إلى الأفكار الجديدة، والتواصل مع النقاد الموضوعيين، كما تساعد على إبراز الفارق بين "الانتصارات" السياسية، والحلول الحقيقية. خلال السنوات الأربع المقبلة، سنضطر نحن الأميركيين إلى إجراء تغييرات شاملة في الطريقة التي ننتج بها الطاقة، ونستهلكها، وندفع قيمتها، كما سنحتاج فضلًا عن ذلك إلى إصلاحات جوهرية في نظام التعليم العام، كي يتوافر لدى خريجينا مهارات حسابية وعلمية، تمكنهم من مواكبة نظرائهم فيما وراء البحار، بدلاً من التأخر عنهم. كما سنضطر أيضاً إلى تغيير نظامنا الخاص بالرعاية الصحية، واستخدام تقنية المعلومات، من أجل خفض النفقات، وتحسين المداخيل، بحيث نستطيع إشراك الجميع في هذا النظام، وكبح جماح التضخم، الذي يهدد بتقويض نظامنا الخاص بالرعاية الصحية. وعندما نقوم بكل عمل من هذه الأعمال، فإننا سنكون مضطرين أيضاً إلى التعامل مع أزمة اقتصادية من النوع الذي لا يقع إلا مرة واحدة في القرن، وإلى العمل أيضاً من أجل إيجاد نهاية حاسمة ونبيلة في ذات الوقت لحربين نخوضهما حالياً. لقد اختار الأميركيون أوباما للانخراط في هذه المعارك، ليس فقط لأنهم يخشون المستقبل، ولكن أيضاً لأنه دعاهم لمشاركته في حملته، وظل طيلة الفترة الانتقالية مشتبكا مع هموم الأميركيين وأفكارهم، وهو ما كان له مردود طيب، يمكن لنا تبينه من خلال معرفة أن هناك تسعة آلاف شخص قد سجلوا أسماءهم للمشاركة في إدارة "مناقشات مجتمعات الرعاية الصحية"، وإن قرابة مئة ألف شخص قد أرسلوا أسئلة، وصوتوا على برنامج" مفتوح للمناقشة" المنشور على موقع Change.gov الإلكتروني، وأنه قد تم عرض" أفلام التغيير" عدداً هائلًا من المرات. ومن مظاهر التأثير الطيب لتواصل أوباما مع شعبه أن الأميركيين أصبحوا يدركون الآن أن سياسته تفاعلية، وموجهة لحل المشكلات، ومفتوحة أمام المواطنين الذين صوتوا لصالحه، وأوصلوه لواشنطن، ومفتوحة كذلك أمام المشرعين الذين يحتاج إلى مساعدتهم بصورة ماسة في تمرير برامجه في الكونجرس. فهناك حاجة لأن يظل أوباما على اتصال مع الجميع بل إن حاجته إلى ذلك تفوق حاجة أي رئيس أميركي سابق. وأوباما يعرف جيداً أنه في حاجة إلى الذهاب لكل مصدر ممكن من أجل الحصول على الأفكار والدعم، إذا كان يريد حقاً الوفاء بالوعود وتحقيق الآمال التي غرسها في قلوب عشرات الملايين من الأميركيين. ومما قاله حول ذلك في مؤتمر صحفي عقده منذ أيام:"نحن نرحب بالأفكار الجيدة سواء كنا ديمقراطيين أو جمهوريين،فنحن لسنا في مسابقة ثقافية، ولا نعتبر أن الفوز بحق الملكية الفكرية يشكل مصدر فخر لنا". بسبب إيمانه بذلك، كان من الطبيعي أن يكون أول اجتماع سياسي كبير يعقده هو ذلك الذي جمعه مع حكام الولايات من الحزبين "الديمقراطي" و"الجمهوري" معا، وهو الاجتماع الذي شهد حوارات ونقاشات، تجاوزت بكثير تلك الحوارات التي تجري عادة في مؤسسة الحكم الرسمية في واشنطن والتي تتركز عادة حول من صعد ومن أفل نجمه. وهذا أيضاً هو السبب الذي جعل أوباما يجري تغييراً في نص بند الضرائب المتضمن في خطته الخاصة بالإنقاذ الاقتصادي فقط، لأن بعض أعضاء مجلس الشيوخ أقنعوه أن هناك وظائف جديدة سوف تتوافر، إذا ما استثمر المزيد من النقود في قطاع ما من قطاعات الاقتصاد بالإضافة بالطبع إلى المزايا الضريبية التي يمنحها للشركات التي تستأجر عمالًا جددا. معنى ذلك أنه رجل يسأل، ويستمع، ويقرر، وهي صفات جيدة في رئيس يقود أميركا في أوقات مضطربة. يُضاف لذلك أن الرئيس الجديد ليس من النوع الذي يحمل ضغينة لأحد. فهو كان يعرف مثلًا أنه بحاجة لشخص ما يمكن لخبرته أن تساعده ـ تساعد أوباما ـ على تكريس القيادة الأميركية في عالم يحتاج إلى تلك القيادة بشدة، لذلك لم يتردد لحظة واحدة في اختراق الفقاعة الوهمية التي تحيط به، ومد يده لاختيار هيلاري كلينتون، التي خاضت ضده معركة انتخابية ضارية من أجل الفوز بترشيح حزبها في الانتخابات، لشغل منصب وزيرة الخارجية في إدارته. يوم الثلاثاء أول من أمس، انشغل الآلاف من الخبراء والمحللين الصحفيين، والمدونين في تقديم تحليلات مباشرة لوقائع أداء الرئيس للقسم. وبحلول فجر اليوم التالي ـ أمس الأربعاء ـ كان من المفترض أن يجد الرئيس وثيقة شاملة في صندوق الوارد ببريده الإلكتروني تلخص ردود الأفعال وتبرز بالذات آراء صناع الرأي الكبار، وهي وثيقة لا شك لديّ أنه سيتصفحها باهتمام. ولكنني متأكد أيضاً من أنه سيكون قد تلقى أول استجابة قبل ذلك بساعات، ومن صديق يعيش بعيداً عن قلب واشنطن السياسية، وذلك عبر جهاز "البلاك بيري" الخاص به. ومعرفتي بذلك هي التي تمنحني أملًا في مستقبلنا. ــــــــــــــــــــــــــ جون دي. بوديستا رئيس ومؤسس مركز "أميركان بروجرس" والرئيس المشارك لفريق أوباما الانتقالي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"