في الولايات المتحدة، أمضى "الديمقراطيون" و"الجمهوريون"، العامين المنصرمين في العراك على الجوانب الرئيسية للجهد الخاص بإعادة بناء افغانستان. فقد ظللنا نتعارك على موضوعات من قبيل: هل من الأفضل لنا رش محصول نبات الأفيون بالكيماويات أم أن هناك وسائل أخرى أفضل؟ هل الرئيس الأفغاني وجماعته فاسدون أم لا؟ ولكن نظراً لأن الأحوال في أفغانستان قد تدهورت كثيراً خلال تلك الفترة، فقد أصبحنا ندرك أننا نتشارك في الإيمان بأفكار جوهرية حول أفغانستان. وفي الوقت الذي تستكمل فيه الإدارة الأميركية مراجعة سياساتها في أفغانستان، فإنني استحث "الديمقراطيين" و"الجمهوريين" على حد سواء ، وكذلك حلافاءنا في الخارج، وحكومة كارزاي على الاتفاق على النقاط الرئيسية قبل أن يصبح الوقت متأخراً للغاية للقيام بذلك. النقطة الأولى: زيادة القوات بشرط أن تنخرط في المهمة الصحيحة. لقد أصدر أوباما أوامره بإرسال 17 ألف جندي إضافي لأفغانستان. وعلى الرغم من أن هناك حاجة لمزيد من القوات لتدريب جيش أفغانستان الوطني(والمزيد من المدربين المدنيين -وليس الجنودـ لتدريب قوات الشرطة المدنية)، فإن إرسال قوات إضافية يحمل في طياته خطر تأجيج التمرد، بسبب ما قد يترتب عليه من زيادة في الخسائر المدنية. وارتفاع عدد الخسائر المدنية يعتبر السبب الأساسي لفقداننا للدعم في أوساط الشعب الأفغاني وحكومته. يجب على قادة الولايات المتحدة العسكريين أن يتأكدوا أن مهمتنا الأولى في أفغانستان، هي توفير الأمن للشعب، وأن هذه المهمة يجب أن تفوق في الأهمية مهمة مطاردة الإرهابيين في الحالات التي تتداخل فيها الثانية بالأولى. فعندما يحظى الشعب الأفغاني بالأمن، فإن ذلك سيساعدنا على استئصال جذور الإرهابيين. النقطة الثانية: الدبلوماسية العامة في أوروبا. إلى حد كبير يمكن القول إن بعض حلفاء أميركا يواصلون جهدهم العسكري في أفغانستان، كوسيلة لمواصلة التعاون مع الولايات المتحدة وتعويضها عن عدم التعاون معها في حرب العراق التي يعارضونها. والحلفاء يُعرِّفون المهمة التي يقومون بها في أفغانستان حسب الكيفية التي تقبلها بها شعوبهم، و"الناتو" قبل بهذا النوع من الاختلاف في تعريف المهمة والذي يؤثر على تماسك القوات في الواقع، باعتباره ثمناً كان من الواجب دفعه لضمان تعاون الحلفاء في أفغانستان. لذلك فإن الشيء الذي يحتاج إليه أوباما في الوقت الراهن هو إفهام الأوروبيين أن التهديد المباشر للسلام في العالم هو الإرهاب المعولم الذي ينمو في أفغانستان وباكستان، والذي وصل بالفعل لأوروبا، وأن الحوار الأوسع نطاقاً بين أميركا والحلفاء يجب أن يسفر عن التزام أوروبي موحد، وربما الموافقة على إرسال المزيد من القوات. النقطة الثالثة: مساعدة مهيكلة للتنمية. اشتكى كارزاي العام الماضي من أن "فرق إعادة الإعمار الإقليمية" التابعة لحلف "الناتو" تشكل"حكومة موازية" لحكومته، وأن آلية العمل فيها تشبه آلية التعامل مع"أوراق اليانصيب"، حيث يتوقف مقدار المساعدة التي يمكن لمقاطعة ما الحصول عليها من خلال هذا النظام على البلد الذي يرأس تلك الفرق يمكن أن يتراوح ما بين الولايات المتحدة أو ليتوانيا مثلا. من الناحية المقابلة يشتكي المانحون من أنهم لا يستطيعون التعامل مع الحكومة في كابول لأن وزراءها يتحركون ببطء. بشكل عام، فإن البنية الحالية لـ"فرق إعادة الإعمار الإقليمية" تشوه أولويات أفغانستان الوطنية من ناحية، وتتعارض من ناحية أخرى مع البنية الحكومية. والعمل من خلال "مجالس التنمية المجتمعية" لتنفيذ البرامج الوطنية تحت الإشراف العام لحكومة كابول، سيسمح للمجتمع الدولي بتقديم الأموال اللازمة لتوفير احتياجات تلك المجتمعات بدلا من الاعتماد على ما يمكن للدول الحليفة توفيره. وهذا المنهج سيعزز الدور القيادي العام للحكومة المركزية مع السماح للمجتمعات المحلية بالاضطلاع بجهود إعادة التعمير وتقليل تكاليفها. النقطة الرابعة: التعامل المحدود مع إيران. لقد اتخذت إدارة أوباما الخطوة السليمة عندما قالت إنها ستتعامل مع طهران في موضوع أفغانستان بشرط أن يكون مجال هذا التعامل محدوداً. عندما وسمت الولايات المتحدة إيران بأنها تمثل جزءاً من"محور الشر"، واعتمدت على باكستان في العمل بشأن أفغانستان، فإن ذلك أدى في الحقيقة إلى صعود "طالبان"، وجعل اليد العليا في البلاد للمتشددين، على الرغم من حقيقة أن إيران، وهي دولة شيعية كبرى، لم تكن لتستمد أي فائدة إيديولوجية أو عسكرية من خلال دعم حركة إسلامية سنية متطرفة. وجهود بناء الثقة المحدودة مع إيران، يجب أن تبدأ بمواجهة تجارة المخدرات الأفغانية التي توفر التمويل الذي يؤدي إلى استمرار التمرد، الذي يؤدي بدوره إلى قتل الأميركيين. ونظراً لأن ما يزيد عن خمسين في المئة من تجارة الأفيون الأفغانية تمر عبر الأراضي الإيرانية، فإن ذلك أدى إلى سقوط ما يقارب 3 ملايين إيراني معظمهم من فئة الشباب فريسة لإدمان الهيروين والمورفين والأفيون. وهذه المشكلة المشتركة بيننا وإيران على حد سواء، وهو ما يمكن أن يتخذ كنقطة ابتداء من أجل العمل على إقامة علاقة منتجة بين البلدين. النقطة الخامسة: تعاون أكثر فعالية مع باكستان. يعتقد معظم الباكستانيين أن الولايات المتحدة دعمت الديكتاتورية العسكرية، حتى تتمكن من مواصلة حربها ضد الإرهاب على حساب المصالح القومية لبلدهم. وتحاول الحكومة الباكستانية الحالية المنتخبة ديمقراطياً، إقناع مؤسستها العسكرية وشعبها بأن التطرف الإرهابي والفقر يمثلان خطراً على باكستان، يفوق الخطر الذي تمثله الهند أو الولايات المتحدة. يجب علينا أن ندعم الحكومة المدنية الباكستانية مالياً، على أن نقوم بالعمل معها بعد ذلك من أجل إنهاء علاقة الشراكة الطويلة الأمد التي تربط مؤسستها العسكرية والاستخباراتية مع المليشيات المسلحة والإرهابيين، وكذلك إدماج المناطق القبلية التي تنطلق منها تلك الجماعات في المنظومة الإدارية العامة للدولة الباكستانية. النقطة السادسة: الاتفاق على شروط عامة لمفاوضات السلام مع المتمردين. معظم من يحاربون القوات المتحالفة في أفغانستان لا يمثلون تهديداً استراتيجياً للولايات المتحدة. فحركة "طالبان" على الرغم من وحشيتها وقمعيتها لم تكن هي التي خططت لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، وإنما تنظيم "القاعدة" الذي كانت تلك الحركة تأويه. وعلى الرغم من أن "طالبان" ترسل من حين لآخر إشارات ملتبسة تفيد استعدادها للانفصال عن "القاعدة" والاضطلاع بدور سياسي في أفغانستان، فإننا لا نستطيع البدء في التفاوض معها ما لم نتلق إشارات موثوق بها للاستعداد لذلك مع تقديمها ما يلزم من تنازلات في هذا الشأن. ونعتقد أن الوقت قد حان لإجراء -على الأقل - محادثات استكشافية لتحديد من ذا الذي سيمثل الفصائل المختلفة في أي مفاوضات حقيقية، ونوعية الشروط العامة التي يمكن للمجتمع الدولي والأفغان الاتفاق عليها. النقطة السابعة: محاربة الفساد. أدى انتشار الفساد إلى تآكل مصداقية الدولة الأفغانية والوجود الدولي في أفغانستان. وعلى الرغم من أن مسؤولية تفشي الفساد تقع على عاتق الحكومة في الأساس، فإن الوجود الدولي في بعض الحالات يساعد على انتشار الفساد، نظراً لأن القوات الدولية تدفع لأمراء الحرب أموالا طائلة لحماية محيط القواعد التي تتواجد بها، كما تمنح عقود مشروعات إعادة الإعمار لأقرباء هؤلاء الأمراء، على الرغم من علمها أن هؤلاء الأقرباء متورطون في تجارة المخدرات وغير ذلك من الجرائم، وهو ما يعني أن جزءاً كبيراً من أموال إعادة الإعمار تتسرب إلى جهات أخرى غير الجهات المعنية، وهو ما يُلزم الولايات المتحدة وحلفاءها بالعمل من أجل تبني سياسة "مساعدة منقحة" تعمل على التصدي لكل أسباب ومصادر الفساد. وتحقيق هذه الأهداف يعتمد على الوحدة بين واشنطن وحلفائها، وعلى إعادة التزام الحكومة الأفغانية من جديد بالنزاهة والحسم، كما يتطلب من أوباما مهارات دبلوماسية وصبراً. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ توماس شفيتش السفير الأميركي الخاص في أفغانستان إبان إدارة بوش ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"