تهلّ علينا الذكرى الخامسة لوفاة مؤسس الاتحاد، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وبقدر ما تحمله هذه الذكرى من أسى الرحيل ولوعة الفراق، بقدر ما تجود به من ذكريات حافلة بالإنجازات العظيمة، لعل أولها وأهمها تأسيس دولة الاتحاد على يدي الراحل الكبير الذي ولي حاكماً لإمارة أبوظبي سنة 1966، وخلال أعوام قليلة تمكن بإرادة واعية وبعزيمة صلبة من تحويل هذه البقعة التي كانت منسية إلى أحد نماذج النجاح والتطور في العالم العربي في عصره الحديث. ومن خلال رؤية واعدة استطاع أن يبني وطناً يجمع بين تراثه العربي المسلم والانفتاح على الآخر. لقد كان -رحمه الله- قائداً مخلصاً مستنيراً، وفر لهذا الوطن كل أسباب النمو والرخاء. وبقليل من التأمل في مآثر المغفور له الشيخ زايد، نجدها هائلة بحجم هامته وطموحه، ولذا كان لنا، وسيبقى رمزاً للاتحاد والقائد التاريخي الذي بوركت الإمارات بقيادته حيث أتى في ظرف لا ينجح فيه إلا من كانت له رؤية هذا الرجل وبصيرته وطاقاته. قبل ميلاد الاتحاد على يد مؤسسها، كانت الإمارات كيانات صغيرة يطحنها الفقر وتشتعل بينها الخلافات مهما صغرت، فجاء زايد لكي يجمع شتاتها ويطفئ خلافاتها ويجعل منها دولة عصرية استطاعت في سنوات قليلة أن تتساوى هامتها مع هامات الدول العريقة وأن تحقق إنجازات هائلة على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأن تحقق لشعبها الأمن والاستقرار والرفاهية، وذلك كله من خلال نوايا صافية وعمل سياسي محنك وقيادة واعية وسخاء رشيد مهد للتنمية والتطوير. وباستعراض سجل الشيخ زايد بن سلطان -طيب الله ثراه- نجد أنه زاخر بالإنجازات، فانطلاقاً من بناء الإنسان الإماراتي من خلال الاهتمام بالتعليم والصحة، إلى إرساء بنية تحتية متطورة، إلى بناء المؤسسات السياسية، إلى تمكين المرأة من النهوض بدورها في المجتمع على كافة المستويات، إلى مواقف سياسية تتسم بالحكمة والمصداقية على المستويين العربي والدولي، مواقف تنأى بنفسها عن رخيص السياسة اليومية وتسمو إلى ما يجمع وما فيه الخير للإمارات والمنطقة والعرب، وكانت له -رحمه الله- مواقف تاريخية في العديد من الأزمات التي ألمت بعالمه العربي، وهي مواقف تمثل شواهد على تطورات المنطقة العربية، مما أكسبه وأكسب دولة الإمارات احترام المجتمع الدولي وتقديره. كان رحمه الله في نظرته واستشرافه للمستقبل متقدماً على عصره، وهذه الرؤية ضرورة ما بعدها ضرورة لمن لم تسمح له ظروف المنطقة الصعبة أن ينال قسطه العادل من التعليم، وبرغم ذلك أدرك زايد بن سلطان أن جوهر التنمية يجمع بين الرؤية الطموحة المستنيرة والإيمان العميق بالإنسان وقدراته وضرورة بناء هذه القدرات سواء كان ذلك من خلال الإقبال على التعليم أو تمكين المرأة أو التعلم من تجارب الأمم. فمع رصيد إنجازه المادي والمحسوس والذي تمثل في البنية التحتية الطموحة وسجل من الأرقام والإنجازات في العديد من الملفات المعيشية. ترك رحمه الله رصيداً كبيراً يتجاوز المادي ولكنه، وبكل المقاييس، محسوس، رصيداً يتمثل في وطن وقيادة وشعب ورسالة تنمية وتسامح تميّز الإمارات في محيطها الإقليمي والعربي. من النادر أن يجتمع شعب بأكمله على حب رجل قاد وطناً بكل ما تحمله القيادة من مسؤولية وقرار، ولكننا ونحن نتذكر زايد بن سلطان في هذه الأيام ندرك أن كافة مواطني هذه الأرض الغالية يفتقدونه بينهم ويدعون له بالرحمة ويعلمون أن دوره في التأسيس والانطلاق يبقى ملحمياً. إن كل هذه الإنجازات كانت انعكاساً صادقاً لمعدن الشيخ زايد وصفاته الشخصية، مما يجعل ذكراه العطرة فرصة لاستدعاء مناقبه والدعاء له بأن يتغمده الله بواسع رحمته، وأن يجزيه خير الجزاء عن عطائه وبذله لشعبه ووطنه في حياته، واستمرار عطائه بعد أن ترك لنا نهجاً نسير على هديه، ويقوم باستكماله على دربه خير خلف له هو صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، الذي أخذ على عاتقه استكمال بناء صرح هذا البلد والسير على خطى والده في مسيرة الخير والتنمية. رحم الله الراحل الكبير رحمة واسعة وجزاه عن شعبه ووطنه خير الجزاء.