عندما وصل نائب الرئيس الأميركي إلى إسرائيل في الثامن من مارس الجاري لتسوية الخلافات التي اعترت علاقات واشنطن مع حكومة نتنياهو وإعادة إطلاق مفاوضات السلام، بدأ بالتشديد على "التزام (أميركا) الكامل والمطلق والصريح بأمن إسرائيل"؛ ولكن إعلان إسرائيل في الوقت نفسه تقريباً عن اعتزامها بناء 1600 منزل آخر في القدس الشرقية لم يكن هو الترحيب الحار الذي كان يتوقعه. رد بايدن – أن تصرفات إسرائيل تهدد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة ويمكن أن تعرِّض القوات الأميركية للخطر هناك – شكَّل اعترافاً نادراً بأن المصالح الأميركية والإسرائيلية ليست متطابقة؛ وكشفت الاتهامات المتوقعة التي أعقبت الإهانة الدبلوماسية التي سُمعت عبر العالم عن انقسام متزايد داخل المنظمات المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة، بين مؤيد لحل الدولتين ومدافع عن الوضع الراهن. فمن جهة هناك "لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية"، المعروفة اختصارا بـ"آيباك"، والتي بدأت مؤتمرها السنوي الأحد، إلى جانب منظمات متشددة أخرى مثل "مؤتمر رؤساء كبرى المنظمات اليهودية الأميركية" و"عصبة مناهضة التشهير"؛ حيث انتقدت هذه المنظمات خلال الأسبوع الماضي الطريقة التي تعاطت بها إدارة أوباما مع النزاع، واعتبرت أن الرئيس لا يدعم الدولة اليهودية على نحو كاف. ومن جهة أخرى هناك منظمات مثل "جي ستريت" و"أميركيون من أجل السلام الآن"، التي تدافع عن موقف الإدارة وتدعو إلى زعامة أميركية قوية وحازمة لإنهاء النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين. والواقع أن هذه المنظمات الأخيرة وأوباما هم الأكثر حرصاً على مصالح إسرائيل الحقيقية. فمهما يكن رأيك في استراتيجيتها وتكتيكاتها، إلا أن إدارة أوباما ملتزمة جديا بالتوصل إلى "حل الدولتين"، وهو بكل تأكيد ليس عملا عدائيا تجاه إسرائيل. بل على العكس، فأن يحافظ أوباما على هذا الموضوع الصعب، الذي يتطلب جهداً ووقتاً كبيرين، ضمن أجندته المزدحمة أصلاً، هو في حد ذاته عمل ودي ينم عن الصداقة - وبخاصة عندما تعني الصداقة قول حقائق صعبة. وإليكم لماذا: فهذان رئيس الوزراء السابق أولمرت ووزير الدفاع الحالي باراك حذرا ويحذران من أنه في حال فشل حل الدولتين، فإن إسرائيل لن تستطيع أن تظل دولة ذات أغلبية يهودية سوى عبر حرمان معظم الفلسطينيين الذين تحت سيطرتها من حقوق التصويت. وفي تلك الحالة، فإن إسرائيل ستصبح "دولة آبارتايد"، حسب تعبير باراك. وبدلاً من ترك إسرائيل تسير في هذا الطريق المحفوف بالمخاطر، تحاول إدارة أوباما تلافي تلك النتيجة؛ وذلك لأنها تعلم أن التوسيع المستمر للمستوطنات الإسرائيلية يجعل من حل الدولتين أمراً مستحيلاً، وأن إنهاء بناء المستوطنات أمر ضروري وأساسي، وهذا يشمل القدس الشرقية، التي لا تعترف الولايات المتحدة (أو أي دولة أخرى) بضم إسرائيل لها. ثم إن حلا للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني يقوم على مبدأ الدولتين يصب في المصلحة الاستراتيجية للولايات المتحدة أيضاً. وفي هذا الإطار، قال الجنرال ديفيد بترايوس، رئيس القيادة المركزية الأميركية، للجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ الأسبوع الماضي: "إن الغضب العربي بشأن المسألة الفلسطينية يحد من قوة وعمق الشراكات الأميركية مع الحكومات والشعوب... غضب تستغله "القاعدة" ومنظمات مقاتلة أخرى لحشد الدعم؛ كما أن النزاع يمنح إيران أيضاً تأثيراً ونفوذا في العالم العربي". صحيح أن حل الدولتين لن يحل كل التحديات الأميركية في المنطقة، إلا أنه سيسهل معالجة معظمها. ثم إنه يمثل أفضل ضمانة لمستقبل إسرائيل على المدى الطويل. ولذلك، فإن أوباما يستطيع، عبر إظهار تصميم حقيقي هذه المرة وشرح لماذا تعد مقاربته هي المقاربة الصحيحة، أن يحافظ على المصالح الأميركية ويظل صديقاً حقيقياً للدولة اليهودية. بيد أن "آيباك" والمنظمات الأخرى التي تدعم الوضع الراهن لا تشاطر هذا الرأي، حيث ترى أنه لا ضير في أن تواصل إسرائيل توسيع سيطرتها على الأراضي الفلسطينية، وتعتقد أن على الولايات المتحدة أن تدعم تصرفات إسرائيل بدون شروط. بل إن المنظمات الصهيونية المسيحية تذهب إلى أبعد من ذلك، حيث ترغب في أن تسيطر إسرائيل على هذه الأراضي إلى الأبد لأنها تعتقد أن من شأن ذلك تسريع "عودة المسيح". والحال أن مثل هذه المنظمات ليست صديقة لإسرائيل لأن التصرفات والمواقف التي تفضلها ستبقي على إسرائيل على طريق خطر. كما أنها لا تدرك المصالح الأميركية، لأن السياسات التي تدافع عنها تساعد على تجنيد الإرهابيين، وتزيد من نفوذ إيران في المنطقة، وتُصعب تشكيل تحالفات فعالة مع دول شرق أوسطية أخرى. مما لا شك فيه أن المتحدثين في مؤتمر "آيباك" سيدافعون عن العلاقة الخاصة التي تجمع البلدين ويحذرون واشنطن من ممارسة الضغط على إسرائيل؛ والحال أن هذه المقاربة التي تنم عن قصر النظر ستشكل كارثة للجانبين. ولذلك، يتعين على وزيرة الخارجية الأميركية أن تعيد التأكيد، في خطابها المرتقب أمام المؤتمر، على أن واشنطن لن تسمح بعد الآن بسياسة هزم الذات التي تتبناها إسرائيل بشأن المستوطنات، وتشرح بشكل واضح بأن على إسرائيل أن تقوم بالاختيار: فهي يمكنها إنهاء الاحتلال، وقبول حل دولتين حقيقي، والبقاء حليفة للولايات المتحدة؛ أو يمكنها أن تواصل احتلال الضفة الغربية وحصار غزة – وهو طريق سيرغمها في نهاية المطاف على التخلي عن طابعها اليهودي أو مبادئها الديمقراطية، ويعرِّض مكانتها مع أهم شريك لها للخطر. على أنه يتعين على أصدقاء إسرائيل في أميركا أن يقوموا بالاختيار أيضاً؛ وذلك لأنه إذا كانت الأزمة الحالية ستمر، فإن المزيد من الأزمات سيحدث طالما أنه ليست لدى الفلسطينيين دولتهم الخاصة بهم والقابلة للحياة. إن الطريقة الأفضل للحؤول دون تجدد القتال بين الولايات المتحدة وإسرائيل تكمن في قيام المنظمات المؤيدة لإسرائيل بدعم رؤية أوباما المتمثلة في "دولتين لشعبين" ودعمه عندما يضغط على الجانبين من أجل تحقيق السلام. والأكيد أنه سيكون أمراً رائعاً لو تلقي "آيباك" ومنظمات أخرى بثقلها وراء هذه الرؤية، ولكنني أستبعد ذلك. ستيفان إم. والت أستاذ الشؤون الدولية بجامعة هارفارد، ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"