ثمة حقيقة مؤلمة مفادها: إن معرفة الكونجرس بالأشياء المتعلقة بالموضوعات العسكرية تكون أحياناً أفضل من البنتاجون، ومن ذلك على سبيل المثال موضوع محرك مقاتلات "الضربة المشتركة" وهي طائرات حربية متعددة المهام، الذي يقدم حالة نموذجية تثبت صحة هذا الطرح. ما حدث أن مجلس النواب الأميركي صوّت في السابع والعشرين من مايو الماضي، على المحافظة على استمرار تمويل محرك بديل لهذه المقاتلة متعددة المهام، على الرغم من الجهود التي بذلتها وزارة الدفاع والبيت الأبيض سويا، لقتل فكرة استبدال محرك تلك الطائرة من الأساس...حيث سعى "البنتاجون" لمنح شركة واحدة عقدا بقيمة 100 مليار دولار على مدى 30 عاما، وهو ما كان يعني السماح لتلك الشركة باحتكار إنتاج محرك تلك الطائرة بحيث تصبح "المصدر الوحيد" الذي يمكن الحصول منه على هذا المحرك. ولكن مجلس النواب، اعترض على ذلك، وقال إن الأمر لا يجب أن يتم بهذا القدر من الاستعجال، وتحرك على الفور لضمان أن العقد المذكور سيكون محل تنافس، ولن يُعطى هكذا لشركة واحدة باعتبارها مصدراً وحيداً، كي تحتكر العملية برمتها. أنا لست معتاداً على الدفاع عن الكونجرس، ولكن في هذا الموضوع على وجه التحديد، لا أملك سوى أن أقول إن مشرعي القوانين كانوا على حق. فإذا كان هناك برنامج يحتاج بشكل ماس إلى نوع من الرقابة على التكاليف، فإنه من دون شك هذا البرنامج تحديداً. فمن المعروف في هذا الصدد، أن وزارة الدفاع قد أبلغت الكونجرس في مارس الماضي أن البرنامج قد تجاوز الحدود القانونية الخاصة بنمو التكلفة، أي زيادة التكلفة نتيجة الزيادة التي تطرأ على الأسعار أثناء فترة تنفيذ مشروع ما، وذلك وفقا للبنود الواردة في القانون المعروف بـقانون "نان - ومكاردي". علاوة على ذلك وجد مكتب المحاسبة الحكومية في مارس الماضي أن تكلفة برنامج الطائرة (إف ـ 35 لايتننج ـ2) قد ارتفع بنسبة 50 في المئة عن قيمة التكلفة المحددة في العقد. وإذا أخذنا هذه الزيادات الضخمة في التكلفة في الاعتبار، فإننا لن نرى في سلوك الكونجرس، عندما أصر على ضرورة إخضاع العقد المذكور لشروط المنافسة، ما يدعو للاستغراب. فقد أثبتت التجربة، المرة تلو الأخرى، أن المنافسة تشجع على الابتكار، وتؤدي لخفض التكلفة، وتحفز المقاولين على الاستجابة للطلبات والالتزام بالتنفيذ. ويشار إلى أن وزراء الدفاع في عهدي ريجان وكلينتون قد رفضوا (عقود المصدر الوحيد) التي صاغها البيروقراطيون، وابتكروا عقود "المصادر الثانية" لإتاحة الفرصة للشركات المصنعة للمنافسة على عقود توريد الصواريخ، والمدمرات، والغواصات، والطرادات، والأسلحة المختلفة. وفي كل حالة من الحالات، وكل عقد من العقود، أدت المنافسة إلى تخفيضات ضخمة في التكلفة، وكان ذلك يحدث باستمرار في كافة الحالات الأخرى التي يسمح فيه بالعمل بنظام المنافسة. وكان المثال الذي تجلت فيه فائدة المنافسة بجلاء، هو ذلك الذي عرف بـ(حرب المحركات العظمى)، وذلك عندما احتدمت معركة لتركيب محركات بديلة للطائرتين إف ـ 15 ، إف ـ 16 في منتصف ثمانينيات القرن الماضي. فعلى الرغم من المعارضة الشديدة من بيروقراطيي القوات الجوية، فإن الوزير المسؤول عن القوات الجوية في ذلك الوقت" فيرن أور" فاض به الكيل من الزيادة المستمرة في التكلفة، وتوقف الطائرات عن الطيران بشكل متكرر، بسبب خلل في محركاتها المشتراة من (مصدر وحيد)، وأجبر البيروقراطيين على الموافقة على تغيير ذلك المصدر، بمصدر آخر وتركيب محرك بديل في تلك الطائرات. وبعد ذلك دخل المصدر الوحيد الأول، والمصدر الثاني، في منافسة شديدة، ترتب عليها تخفيض مستمر في التكلفة، وتحسن في النوعية، وانخفاض معدل الحوادث. وبحلول العام التالي من المنافسة بين الشركتين الموردتين انخفضت التكلفة بنسبة 20 في المئة. وعقب ذلك حذت البحرية، حذو الطيران في اختيار ماكينة بديلة لطائراتها( إف ـ14)، وحصلت على منافع مماثلة. وعندما تولى "جاك جانسلر" منصبه كوكيل لوزارة الدفاع لشؤون الاكتساب والتكنولوجيا واللوجستيات خلال إدارة "كلينتون"، قام بإجراء دراسة شاملة لعشرة برامج من برامج الطائرات التابعة للبنتاجون كانت تعمل بموجب (عقد المصدر الوحيد) ولسبعة برامج تجارية مماثلة كانت تعمل بنظام المنافسة، وتبين له من خلال المقارنة، أن تكلفة عقود المصدر الوحيد قد زادت بنسبة 46 في المئة في المتوسط خلال مدة تنفيذ العقد، عن التكلفة الأصلية المحددة في بدايته، في الوقت الذي هبطت فيه تكلفة البرامج التي تديرها شركات تجارية تعمل بنظام المنافسة، بنسبة 15 في المئة في المتوسط، خلال مدة تنفيذ تلك العقود. إن برنامج مقاتلة الضربة المشتركة، هو أكثر برامج تصنيع المعدات والأسلحة الأميركية تكلفةً على الإطلاق.. وهو برنامج يبلغ من الضخامة حدا يجعل من الصعب ضبطه تماما أو جعل كل شيء فيه يسير حسب المطلوب. وحتى الآن، اتبعت إدارة أوباما ذلك الأسلوب التقليدي المعتاد للبيروقراطية المتمترسة، وهددت باستخدام حق النقض(الفيتو) ضد أي مشروع قانون لا يحافظ على حق احتكار (المصدر الوحيد) لتصنيع محرك الطائرة المذكورة بقيمة 100 مليار دولار لمصلحة لشركة واحدة. والكونجرس على حق عندما يقوم بإيقاف ذلك، لأن هذا القرار سوف يمتد تأثيره 30 عاما، ويطال بالتالي أجيال المستقبل. ويجب علينا من الآن أن نحدد موقفنا ـ على ضوء الحقائق التي أوردناها سلفا- هل نحن نؤيد نظام المنافسة بين أكثر من مصدر، أم نؤيد احتكار مصدر واحد للعقود؟ مثل هذا السؤال قد لا يحتاج إلى سجال إلا في مكان واحد هو واشنطن. ------ جون ليمان وزير البحرية في عهد ريجان وعضو لجنة الدفاع القومي ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"