في الوقت الذي يبلغ فيه الإنفاق الفيدرالي مستويات قياسية، تقربنا تدريجياً من حافة الخطر، فإن إدارة أوباما تواصل عملها كالمعتاد، غير عابئة بما يحدث. أقول هذا لأنني لا أرى خططاً حقيقية، ولا قيادة ملهمة، ولا رغبة واضحة في مواجهة الأخطار المتنامية التي تلوح في الأفق القريب. وأخشى ما أخشاه أن نكون ماضين على طريق نكرر فيه نفس الأخطاء التي ارتكبناها في الماضي. وقبل الأزمة المالية التي بدأت عام 2008، طمأن "هانك بولسون"، وزير الخزانة الأميركي آنذاك، الشعب الأميركي بأن "عملية تصحيح الخلل في قطاع الإسكان تحت السيطرة"، وأنه "يثق في قوة أسواقنا المالية ومرونتها". وبعد ذلك بأشهر قليلة، أعلن "بولسون" أن نظامنا المالي قد بات "على حافة الانهيار" وأن أميركا "لم تتعامل في حياتها مع أزمة مالية على تلك الدرجة من الشدة". لسنوات طويلة، دأب المسؤولون في واشنطن على التهوين من شأن الأخطار المنهجية، التي كانت بادية بوضوح للعيان، والتي تقف وراء الأزمة الحالية التي نمر بها، في نفس الوقت الذي واصلوا فيه الدفع نحو سياسات ساعدت على التعجيل بحدوث هذه الأزمة، في نهاية المطاف. وعلى الرغم من ذلك، نجد أنفسنا اليوم مندفعين في نفس الاتجاه الخاطئ الذي يمكن أن يقودنا إلى أزمة جديدة، في الوقت الذي لم نتعاف فيه بعد من تداعيات الأزمة الراهنة، التي أصابت القطاع المالي والاقتصاد الأميركي، والمواطن العادي -بطبيعة الحال- بأفدح الأضرار. ففي الشهر الماضي، قال أوباما إنه سيوافق على الاحتفاظ بمعدلات الضرائب الحالية، إذا ما وافق الكونجرس على زيادة الإنفاق (الفيدرالي) بالعجز. إن ما يحدث الآن هو أنه في الوقت الذي تتجه فيه المركبة الأميركية لحافة الهاوية، نجد أن الرئيس يضغط على دواسة السرعة. وفي الوقت الذي يحدث فيه هذا في الولايات المتحدة، نجد أن آخرين يتجهون في الاتجاه المضاد: فإنجلترا لديها خطة لتخفيض عجزها بنسبة 86 في المئة خلال أربع سنوات، كما أن حاكم ولاية نيوجيرسي، "كريس كريستي"، لديه خطة لسد فجوة التمويل في ولايته، من دون اللجوء لرفع الضرائب.كما قام حاكم ولاية كاليفورنيا الليبرالي الجديد بتقديم خطة لخفض إنفاق الولاية بنسبة 9 في المئة. إن فقاعة واشنطن لم تكن أبداً بالسماكة التي هي عليها الآن. فمنذ أيام قليلة فقط، وجه "آلان جرينسبان"، رئيس مجلس إدارة "الاحتياطي الفيدرالي"، تحذيراً يبعث على التشاؤم في الحقيقة، مؤداه أن الديون الأميركية المتفاقمة يمكن أن تؤدي لأزمة في سوق السندات، خلال فترة تتراوح بين عامين وثلاثة أعوام. ومن المعروف، في هذا السياق، أن هناك أزمة ديون تواصل الانتشار حالياً في القارة الأوروبية ويمكن أن تصل لأسواقنا المالية في أي وقت. لقد أزف وقت العمل، وليس هناك ما يدعونا للتأخير بأي حال من الأحوال. ومع ذلك، نجد أن "أوستان جولسبي"، كبير مستشاري أوباما، يشن هجوماً شديداً على الجمهوريين، لعدم محاولتهم تخفيض مستوى العجز كجزء من جهدهم الرامي لرفع السقف الحالي للدين، والذي نمضي قدماً نحو الوصول إليه -كما هو متوقع- في مارس المقبل. وقد تضمن هذا الهجوم من قبل "جولسبي" توبيخاً للكونجرس عندما خاطب أعضاءه قائلاً:"لا تربطوا المناقشات حول الميزانية بشيء يتعلق -جوهرياً- بمصداقية المنظومة المالية الأميركية". وإذا ما كانت ثقة المستهلكين هي الشيء الذي يشغل بال "جولسبي" حقاً، فالواجب يحتم عليه في هذه الحالة الانضمام للجمهوريين لمعالجة هذه المشكلة التي تؤدي لتآكل الثقة المفترضة في منظومتنا المالية. ويجب عليه، كذلك، أن يعرف أن لا أحد يكتسب الثقة في هذا البلد -أو هذه الإدارة- من خلال التسويف وتأجيل العمل المطلوب المرة بعد الأخرى. ولكي نبدأ في عبور المنعطف الحرج، أقترحُ أن يتم ربط أي جهد لرفع سقف الدين، بخفض في المعدل الحالي للإنفاق بنسبة لا تقل عن 10 في المئة. وعلى الرغم من أن هذه مجرد خطوة، إلا أنها تتم في الاتجاه الصحيح، ويمكن للبلاد استيعابها من دون عناء. وفي غضون الساعات القادمة سوف يلقي الرئيس خطابه المرتقب عن حالة الاتحاد، وبعد ذلك مباشرة، سوف يقدم الميزانية الجديدة. وكل هذا يأتي في لحظة حاسمة من رئاسة أوباما، والذي ينبغي أن يعرف أن مقترحاته يجب ألا تكون خجولة، وأنه يتوجب عليه إظهار أنه راغب -أخيراً- في إبراز رؤيته العالمية "الكينزية" (نسبة لجون ماينارد كينز). وفي الوقت الذي ندخل فيه لموسم الميزانية السنوية، فإن واشنطن ستكون بحاجة لإعمال الفكر، في نوع التغيير المطلوب الذي كان يتعين على هذا البلد إنجازه منذ عام 1977، ذلك العام الذي نجح فيه كونجرس جمهوري قوي في تمرير ميزانية، نجحت بدورها في تحويل العجوزات المتصاعدة إلى فائض. نحن بحاجة إلى ميزانية ذات رؤية جسورة، ميزانية تجذبنا بعيداً عن حافة المنحدر الخطر الذي نقف عليه الآن، وتساعدنا على تعديل مسارنا والتوجه نحو طريق جديد: نحو حكومة أكثر مرونة، مسؤولة عن الإنفاق، وعن ازدهار القطاع الخاص. وهدفنا ليس الدخول في عهد من عهود التقشف وإنما عهد من عهود الرخاء. والسياسات الصائبة وحدها هي القادرة على توصيلنا إلى هناك. مع ذلك فما يبدو أمامنا الآن، هو أن أوباما لا يزال غير راغب في قيادتنا في هذا الاتجاه. جيف سيشنز سيناتور أميركي من ولاية ألاباما ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"