القوات الموالية للعقيد الليبي معمر القذافي، والتي بدا في وقت من الأوقات أنها قد أُرغمت على التراجع إلى الوراء، تبدو اليوم قادرة على إعادة السيطرة على جزء كبير من الأراضي الليبية. لكن هل فعلاً سيتم إخماد الثورة الليبية؟ الواقع أن هذه الأخيرة تحولت منذ بعض الوقت إلى ما يشبه حرباً أهلية مدنية، على عكس النجاحات التي حققتها التحولات الديمقراطية السلمية في تونس ومصر. وبالتالي، فالسؤال هو: هل ينبغي القيام بتدخل عسكري، من أجل وضع حد للقمع، وتجنب حمام دم، ووضع حد في الوقت نفسه لنظام القذافي؟ يروج الحديث حول منطقة حظر للطيران أو ضربات جوية محددة ضد الجهاز العسكري الليبي، وهو ما وافق عليه مجلس الأمن الدولي وبدأ تنفيذه بالفعل مساء أمس الأول، غير أن الالتزامات العسكرية للبلدان الغربية في أفغانستان والعراق تجعل من تدخل عسكري بري في ليبيا أمراً غير وارد. ومما لا شك فيه أن الإطاحة بنظام القذافي تمثل ضرورة، ليس من أجل السماح بتأسيس نظام ديمقراطي في ليبيا فحسب، وإنما أيضاً من أجل منع هذا النظام من الإضرار بالثورتين اللتين تحدثان في تونس ومصر المجاورتين. غير أنه لابد من وضع استراتيجية لا تتسبب مكاسبها وفوائدها قصيرة المدى في إعاقة الوضع العام على المدى الطويل، وذلك لأن المشكلة هنا ليست عسكرية، وإنما استراتيجية بالأساس. ومن الناحية العسكرية، يمكن القول إنه من السهل نسبياً أن تقوم البلدان الغربية بفرض منطقة حظر جوي أو تنفيذ ضربات جوية منتقاة ضد المنشآت العسكرية الليبية؛ غير أن هذا لن يضمن نصراً فورياً للثوار، وإنما سيسمح فقط بإعاقة الجهد الحربي للقذافي. لذلك، يمكن القول إنه لن يكون ثمة حل سريع للمشكلة. غير أن ما يهم أكثر من أي شيء آخر هو اتخاذ قرارات متعددة الأطراف، بما يضمن أكبر قدر ممكن من المشاركة الدولية، وعدم إعطاء الانطباع بأن الأمر يتعلق بمغامرة عسكرية غربية ترمي إلى تصفية حساباتها القديمة مع القذافي. غير أنه في هذه الحالة، ستكون الظروف مواتية أمام هذا الأخير لكي يندد باعتداء على العالم العربي. ثم إنه حتى في حال تمت الإطاحة به، فإن الأشخاص الذين لديهم قراءة تتبنى نظرية صراع الحضارات سيجدون ما يدعمون به أطروحاتهم بخصوص رؤيتهم للعالم. ومما لا شك فيه أن فعل إزاحة القذافي ينبغي أن يأتي قبل كل شيء من الشعب الليبي نفسه؛ على أن العالم الخارجي يستطيع دعم الثورة الشعبية بقرارات جماعية. ولهذا السبب، فإنه من المهم أن تقوم المحكمة الجنائية الدولية بدراسة ما إن كان القذافي مذنباً بخصوص ارتكاب جرائم حرب. غير أنه من المهم أكثر من أي شيء آخر هنا أن لا تكون القرارات التي يتم اتخاذها في حقه غربية محضة، وإنما ينبغي أن تُشرك في المقام الأول دول العالم العربي وبقية المجتمع الدولي، وذلك لأن من شأن تدخل غربي خالص أن يُنظر إليه، عن حق أو عن باطل، باعتباره ضد مصلحة الشعب الليبي. وهو الأمر الذي سيذكِّر العالم على نحو أو آخر بحرب العراق الكارثية في عام 2003. ومن المعروف أن روسيا والصين لم تكونا من البلدان المؤيدة للتصويت في مجلس الأمن الدولي؛ غير أن موقفهما لم يكن متصلباً بخصوص هذا الموضوع وعرف تطوراً تبعاً للوضع على الميدان وللجهود الدبلوماسية التي بذلت من أجل إقناعهما بالعدول عن معارضتهما. وهناك اعتقاد بأن البلدان الغربية ستتكفل بتوفير الجزء الأكبر من القوة العسكرية التي تقوم بعمل ضد القذافي، غير أنه كان لابد لها أولاً من ضوء أخضر من مجلس الأمن الدولي، إضافة إلى دعم وحتى مشاركة دول عربية، حتى وإن كانت محدودة، وهو ما توفر إلى حد ما. فبهذه الطريقة تم الفوز في حرب الخليج (1990-1991)، ليس عسكرياً فحسب وإنما سياسياً كذلك. ولأنه تم اتباع طريقة أخرى، فإن حرب العراق تحولت في عام 2003 إلى كابوس. إن فرنسا لم تخرج عن دورها عندما قدمت اقتراحات في هذا الاتجاه، لكنها تبتعد عن هدفها عندما تتخذ قرارات على نحو أحادي وتضع شركاءها الأوروبيين أمام الأمر الواقع. ومما لا شك فيه أن الدعوة إلى رحيل القذافي لا يمكن إلا أن تحظى بتأييد شعبي لدى الرأي العام الفرنسي، غير أن الحرص على أن يتم ذلك في ظروف لا تضر بالمستقبل، يقتضي التمييز جيداً بين عملية إعلامية ناجحة، واستراتيجية طويلة المدى تجاه الثورات العربية.