منذ أسابيع قليلة كانت زيارة رئيس نتنياهو المقررة لواشنطن تحمل في طياتها إمكانية حدوث مواجهة بينه وبين الإدارة الأميركية، بسبب عدم رضا الأخيرة عن سياسته الخاصة بالسلام في الشرق الأوسط، ثم جاء اتفاق تقاسم السلطة الذي وقعه عباس مع" حماس" في القاهرة بعد ذلك ليزيد من تعقيد الموقف. وعلى الرغم من أن واشنطن لا تستطيع، في الوقت الراهن، أن تطلب من نتنياهو تقديم تنازلات كبرى من أجل السلام، وفي الوقت ذاته تقريباً الذي ينضم فيه عباس إلى جماعة هدفها المعلن هو تدمير إسرائيل، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يمكنه، مع ذلك، أن يذهب إلى العاصمة الأميركية، وفي حوزته خطة لتجديد محادثات السلام التي توقفت منذ فترة. المخاوف بشأن حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية مفهومة، لأن الصفقة التي أبرمها عباس مع "حماس" تعرض للخطر مكاسب مهمة تحققت في الضفة الغربية خلال السنوات الأربع الماضية، منها على سبيل المثال القيادة المثالية والرعاية الفائقة للاقتصاد الفلسطيني من قبل رئيس الوزراء فياض الذي أشرف على تنفيذ خطة اقتصادية أدت إلى نمو سنوي بنسبة 9 في المئة، وهي نسبة جيدة للغاية خصوصاً إذا أخذنا في اعتبارنا ظروف الركود الاقتصادي العالمي الذي ما زال العالم يعاني من آثاره - وكذلك التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية الذي أدى إلى هدوء غير مسبوق بعد سنوات عديدة من العنف الدموي الذي أوقع خسائر فادحة بالطرفين على حد سواء. وقد تمثل رد الفعل الإسرائيلي على اتفاق فتح - حماس في الاعتراض على الاتفاق، ثم التمسك بهذا الموقف، على أمل أن تتعرض حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية للانهيار تحت وطأة الاختلافات المزمنة بين طرفيها. على أن انهيار تلك الحكومة يحمل مخاطر من نوع آخر: فشركاء الولايات المتحدة في "الرباعية" وهم : الاتحاد الأوروبي، وروسيا، والأمم المتحدة الذين انضموا لواشنطن عام 2006 لتحديد الخطوات التي يجب على "حماس" أن تتبعها كي تصبح محاوراً مشروعاً في عملية السلام - رحبوا بحذر بالحكومة الجديدة، على أمل أن تتطور "حماس" بدلاً من مطالبتها صراحة بذلك - وذلك على الرغم من أن البعض منهم قد دافعوا عن حقيقة أن الوزراء الذين سيتولون مناصبهم في الوزارة الجديدة لن يكونوا تابعين لـ"حماس" أو لـ"فتح". هذا ومن المرجح أن تعترف أغلبية أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة في فلسطين عند انعقادها في شهر سبتمبر المقبل. وهذا التطور يجب أن يكون دافعاً لاهتمام وقلق نتنياهو، الذي يتعين عليه أثناء زيارته القادمة للولايات المتحدة، أن ينتهز فرصة الجلسة المشتركة للكونجرس لتقديم رؤية سياسية مقنعة بشأن استئناف محادثات السلام مع الفلسطينيين. ويمكن لنتنياهو خلال هذه الكلمة التي يفترض أنه سيلقيها أمام الكونجرس أن يقول مثلاً إنه إذا تخلى عباس عن علاقاته مع "حماس"، فإن الزعماء الإسرائيليين والفلسطينيين سيكونون قادرين على عبور عتبات تاريخية نحو السلام، وهي في النهاية مهمة للطرفين. بالإضافة لذلك ينبغي على كل من نتنياهو وعباس أن يعملا على التخفيف من مخاوف بعضهما البعض، وأن يتخذا من الخطوات المتبادلة ما يمكنهما من عبور تلك العتبات التاريخية نحو السلام. من الناحية النظرية، يتعين على الولايات المتحدة أن تكون هي الجهة التي يفترض أنها تضطلع بمهمة تنظيم، وتوقيت عملية عبور تلك العتبات، ولكن ما حدث أنها ركزت أكثر مما يجب على تطورات "الربيع العربي"، وأهملت هذا الموضوع تماماً أو كادت، وهو ما عجل باستقالة مبعوث أوباما الخاص السابق للشرق الأوسط ميتشيل. لذلك ليس هناك مفر أمام الطرفين سوى العمل دون انتظار مساعدة. فعلى نتنياهو مثلاً أن يحدد للكونجرس العتبات التي سيعبرها، إذا ما كان عباس مستعداً للاستجابة بخطوات مماثلة. ونظراً لأن الخوف من استمرار احتلال إسرائيل للضفة الغربية يمثل أحد الهواجس الرئيسية للفلسطينيين، على نتنياهو أن يوضح لهم بجلاء أن الأمر لن يكون كذلك، وأنه جاد بشأن السلام معهم، وأنهم سيتم حل المسائل الخلافية على الحدود من خلال تنازلات متبادلة لتحديد الخطوط النهائية، وأن أي أراض في الضفة ستحتفظ بها إسرائيل لدواع أو ترتيبات أمنية، سوف يتم تعويضها من خلال منح الفلسطينيين مساحات مماثلة من أرض إسرائيل وراء خط الحدود الذي كان قائماً في الرابع من يونيو 1967. إن صدور بيان بهذا الشأن سيكون له تأثير كبير في طمأنة الفلسطينيين وتشجيعهم على مواصلة عملية السلام. والعتبة التاريخية التي يريد الإسرائيليين من الرئيس الفلسطيني محمود عباس عبورها هي الاعتراف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي يتمتع مواطنوها بحقوق متساوية. ومن الطبيعي أن تكون التنازلات المتبادلة تلك، مصحوبة بحملة نشطة للتوعية بفوائد السلام، مع تأكيد كل طرف أن الطرف الآخر له ارتباطات تاريخية، وأنهما يجب أن يتعايشا سوياً على هذه الأرض. من غير المرجح أن تؤدي هذه الإعلانات وحدها إلى حل كافة المشكلات، ولكن ما لا شك فيه أن تقديمها سيكون بمثابة خطوة جيدة من أجل إطلاق عملية السلام المتوقفة تماماً، والتي يمكن لو تركت هكذا دون تحريك، أن تتدهور أكثر. إذا ما اختار كل من نتنياهو وعباس الاحتفاظ بالأمر الواقع كما هو فقد يكسبان سياسياً -مؤقتاً- ولكن من المؤكد أن شعبيهما سيخسران في المدى الطويل، ويجب أن يعرفا جيداً أنه ليس هناك بديل عن رؤية سياسية مفصلة بوضوح بشأن السلام. دافيد ماكوفسكي مدير مشروع "معهد واشنطن" لعملية السلام بالشرق الأوسط ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"