اعتقال "دومينيك ستروس كان"، مدير صندوق النقد الدولي، في وقت سابق من هذا الشهر بتهمة الاعتداء الجنسي على عاملة بأحد فنادق منهاتن الفخمة دفع شخصيات مرموقة في فرنسا إلى وصف إدعاءات الضحية بأنها "غير ممكنة" أو حتى بأنها "فخ" سياسي. والحال أن عليهم ألا يفاجَأوا لكون الرجال الأقوياء والمحترَمين سياسياً قادرون على الإتيان بأفعال تدخل ضمن دائرة العنف الجنسي ضد النساء. ففي ديسمبر الماضي فقط، أدانت محكمة إسرائيلية موشي كاتساف، الرئيس الإسرائيلي السابق، بتهمة اغتصاب امرأة حين كان في السلطة. وعندما أُعلن عن هذه الاتهامات لأول مرة، تسبب فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي السابق، في فضيحة صغيرة عندما وصف كاتساف بأنه "رجل قوي" وقال مازحا "إننا جميعا نحسده". والواقع أن الاستخفاف بادعاءات بارتكاب العنف ضد النساء ليس بالأمر الجديد، شأنه شأن إلقاء اللوم على النساء الضحايا اللاتي عانين على أيدي رجال وتحميلهن المسؤولية، وهو أمر مازال هو القاعدة عبر العالم. ففي 2005، خضع جاكوب زوما، النجم الصاعد في سماء حزب "المؤتمر الوطني الأفريقي" حينئذ، للمحاكمة بتهمة اغتصاب ناشطة شابة ضد الإيدز. والجدير بالذكر أن "زوما"، الذي برئت ساحته، هو رئيس جنوب أفريقيا اليوم؛ ولكن العديد من الجنوب أفارقة يعتقدون أن المحاكم تساهلت مع "زوما"، كما انتقد نشطاء حقوق النساء في ذلك الوقت، وعن حق، محامي "زوما" لأنه وضع المرأة التي اتهمته موضع المحاكمة نظراً لسلوكها الجنسي السابق. وعندما تزعم امرأة بأن رجلاً قوياً اعتدى عليها، فإن اتهاماتها تُقابل في العادة بتشكك عام. ففي فبراير 1999، روت سيدة الأعمال "خوانيتا برودريك" حكاية تعتصر القلوب على برنامج "دايتلاين" في قناة "إن. بي. سي" حول تعرضها للاغتصاب على يد الرئيس السابق بيل كلينتون بغرفة في فندق عام 1978، خلال أول حملة انتخابية تنافس فيها كلينتون على منصب حاكم ولاية أركانسو. ولكن بعد وقت قصير على بث البرنامج، وجد استطلاع للرأي أجرته قناة "سي. إن. إن" أن معظم من استُطلعت آراؤهم لا يصدقون رواية "برودريك"، وأن ثلثيهم يرغبون في أن تقوم وسائل الإعلام بإسقاط القصة تماماً. تشكك عام مماثل قوبل به اعتقال "ستروس كان" في بلده فرنسا، حيث وصف "جون ماري لوجان"، العضو الاشتراكي في البرلمان، اتهامات العاملة ضد "ستروس" بأنها "غير ذات مصداقية"، وقال إن سلوك مدير صندوق النقد الدولي قد يكون انطوى على "إغراء"، ولكنه قطعاً ليس "إكراهاً أو عنفاً". والواقع أن السلوك الإجرامي الذي يُتهم به "ستروس" قابل للتصديق جداً، لأن الرجال يأتون بأفعال من هذا القبيل في كثير من الأحيان، وليس الرجال "سيئي السمعة" الضعفاء فقط، وإنما أيضاً الرجال من أصحاب الأموال والعلاقات أيضاً، لأن العنف الجنسي ضد النساء موجود في كل مستوى من مستويات الهرم الطبقي والاجتماعي. ولكن كذلك الحال أيضاً بالنسبة للميل إلى إعفاء رجال مشهورين من سلوكهم السيئ للأسف. ففي 2009، عندما طلب ممثل الإدعاء العام في لوس أنجلوس من السلطات السويسرية تسليم المخرج السينمائي "رومان بولنسكي" للولايات المتحدة حتى يواجه تهماً تعود إلى أواخر السبعينيات تتعلق باغتصاب فتاة في الثالثة عشرة من عمرها في منزله وفراره من المحاكمة، تجمع عدد من الفنانين والمثقفين والشخصيات الأدبية على جانب الأطلسي للتعبير عن "غضبهم" مما وصفوه بـ"التحرشات"، التي يتعرض لها فنان عظيم. وفي الأخير، رفض السويسريون، الذين أذعنوا للضغط الدولي، طلب التسليم وأسقطوا كل التهم ضد بولنسكي. والواقع أن مثل هذه السرعة في التحرك والتعبئة من قبل رجال ونساء متعلمين يهبون للدفاع عن رجال أقوياء ومحترَمين متهمين بالعنف الجنسي هو علامة على كراهية متجذرة للنساء في ثقافتنا. وهذه الكراهية تتجاوز العرق والطبقة والدين والهوية الوطنية والإيديولوجيا السياسية. ففي إسرائيل، عندما كسرت نساء من مكتب الرئيس "كاتساف" جدار الصمت لأول مرة واتهمنه بالاغتصاب والتحرش ومحاولة الاعتداء الجنسي، لم يتوان أنصار كاتساف من حزب "الليكود" المحافظ في اتهامهن بفبركة التهم. على أن رد الفعل نفسه لوحظ في أغسطس الماضي، على اليسار السياسي هذه المرة، عندما بدأ مدع عام محلي في السويد إجراء استفسارات حول اعتداء جنسي مزعوم ينسب إلى "جوليان أسانج"، مدير موقع ويكيليكس. وعلى غرار ما حدث في حالة بولنسكي، فقد انبرى آلاف السياسيين والنشطاء للدفاع عن" أسانج"، واتهم عدد منهم الضحايا المفترضات بأنهن طرف في مكيدة دبرتها الحكومة الأميركية التي يقال إنها تريد تسلم "أسانج" من أجل محاكمته أو سجنه لدوره في تسريب برقيات دبلوماسية أميركية حساسة. فهم لم يستطيعوا تقبل إمكانية أن يكون "أسانج" بطلًا لليسار ومعتدياً جنسياً في آن واحد. وهذا العجز الإدراكي نفسه هو الذي أصاب أعضاء في البرلمان الفرنسي هذا الأسبوع حين ندد برلمانيون من "اليسار" و"اليمين" معاً على نحو غاضب باعتقال "ستروس كان" من قبل شرطة نيويورك. إنه مؤشر على بزوغ وعي نسائي كون عدد متزايد من النساء بدأن يشعرن بحرية أكبر للذهاب إلى الشرطة والتبليغ عن اعتداءات رجال "محترَمين"، وأن العديد من هؤلاء النساء بدأن يؤخذن على محمل الجد من قبل الشرطة ويصدَّقن من قبل المحاكم. ولكنه مؤشر أيضاً على المسافة الطويلة التي مازال علينا أن نقطعها عندما تقوم نساء باتهام رجال أقوياء، وذلك لأن ادعاءاتهن مازالت تُستقبل من قبل الكثيرين بخليط قبيح من رفض التصديق، والسخرية، والإنكار. جون سانبونماتسو ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية بمعهد "وورسيستر بوليتيكنيك" في ماساتشوسيتس ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"