حربان، وزيادتان في عديد القوات الأميركية، ونتيجتان مختلفتان تماماً. لكن، لماذا هذا الاختلاف بين العراق وأفغانستان؟ لقد نجحت الزيادة في عديد القوات بالعراق ابتداء من 2007 لسبب بسيط يتمثل في أن اللاعبين المختلفين (سُنة وشيعة وأميركيين) استولى عليهم اليأس، وهذا اليأس الجماعي أثّر في القرارات والإجراءات التي قلبت مجرى الحرب في نهاية المطاف. والواقع أن الحرب في أفغانستان أيضاً لن تُحسم بواسطة مستويات الجنود فقط. فرغم كل النقاش الذي أثاره، إلا أن إعلان أوباما يوم الأربعاء الماضي عن اعتزامه سحب 33 ألف جندي من جنود "الزيادة" هناك بحلول سبتمبر 2012 ليس هو الذي سيحدد نتيجة الحرب. مثلما لن تحددها أي عقيدة عسكرية أو جنرال ميداني. وبعد أكثر من خمس سنوات قضيتها مستشاراً مدنياً للقوات الأميركية في العراق وأفغانستان، فمن الواضح أنه لا يمكن أن يكون ثمة مخطط واحد لعمل جيشنا في الخارج. لكن من الواضح أيضا أن اليأس الذي أتاح نجاح "الزيادة " في العراق لن يتحقق في أفغانستان، وهذا ما يفسر حقيقة أن تحولًا حاسماً في الحرب مازال عصياً على التحقق وغير مرجح. وإذا لم تكن قوات "الزيادة" قد ضاعت، فإن غياب يأس جماعي يعني أنه يجب علينا أن ننظر إلى ما وراء الزيادة في عديد القوات حتى يكون ثمة تأثير في أفغانستان، في وقت مازال لدينا وجود عسكري ودبلوماسي وإنساني قوي هناك. في العراق، نجحت زيادة عديد القوات الأميركية في تحقيق أهدافها وتغيير مجرى الحرب نتيجة تضافر عدد من العوامل المختلفة. ذلك أن حتى قبل وصول الزيادة الأولى في القوات، فإن مجرد استشراف وجودها أثّر كثيراً على المتمردين. كما أن النقاش المحتدم في واشنطن، وقرار بوش الابن إرسال قوات إضافية – ومن دون جدول زمني - جعل مجرد تمثل القوة بنفس درجة أهمية تطبيقها، إن لم يكن أكثر. وبالتوازي مع تصاعد العنف، شددنا على أهمية تحليل ومعرفة أمور حول الأشخاص الذين كنا نحاربهم، حيث قمنا بتقييم دوافعهم وأهدافهم، ورسمنا خارطة للانقسامات التي طرأت على مجموعات المتمردين وقمنا باستخدامها عبر الضغط السياسي والضربات الجراحية المتواصلة التي نفذتها القوات الخاصة الأميركية. ولكن الأهم من ذلك كله، أن الشعب العراقي هو الذي غيّر مسار الحرب في النهاية. فقد كان يواجه عنفاً من كل الجوانب، حيث استعملت الحكومة التي يقودها الشيعة عناصر في قوات الأمن لتأجيج الحرب الطائفية، ومما فاقم عمليات الإعدام التي كانت تنفذها فرق الموت تلك المقاتلون الأجانب المرتبطون بـ"القاعدة" والذين عاملوا السُنة بوحشية. وهو ما أرغم العراقيين العاديين على توحيد صفوفهم للدفاع عن ما تبقى من مجتمعاتهم، ضمن حركة باتت تعرف بالصحوة السُنية، حيث تعاونت القوات الأميركية وأعداد كبيرة من السُنة، ووحدوا مواردهم ضد المقاتلين الأجانب. أما العوامل المؤثرة في أفغانستان، فإنها مختلفة تماماً. فخلافاً للعراق، فإن هذه الحرب ريفية ومتفرقة؛ وصور الحرب وتجاربها اليومية في كابول ومدن رئيسية أخرى عبر البلاد ليست حية وقوية مثلما هي نظيرتها في شوارع بغداد. وتاريخياً يُعد هذا الأمر منطقياً على اعتبار أن الحكام الأفغان يركزون تقليدياً على المراكز الحضرية، ويمارسون حكماً فضفاضاً في أحسن الأحوال على المناطق الريفية. ونتيجة لذلك، فرغم تقلص الفضاءات الآمنة حول بعض المدن والهجمات المتفرقة على مراكز البلدات، فإن النخب السياسية والاقتصادية الأفغانية ليس لديها الإحساس نفسه بضرورة الاستعجال الذي كان يشعر به نظراؤهم العراقيون في 2007. وقد أثّرت هذه الدينامية الحضرية- الريفية المختلفة أيضاً على فهمنا لحركة التمرد. ففي العراق، كانت معظم خلايا المتمردين متركزة في بغداد ومدن أخرى، مما سهّل التركيز على الجهود الاستخباراتية. أما في أفغانستان، فرغم مرور عشر سنوات، فإننا مازلنا لا نتوفر على صورة واضحة لعدونا. فعندما نستعمل كلمة "طالبان" الفضفاضة مثلاً لوصف المتمردين بمختلف أصنافهم، فإننا نحرّف فهمنا لما تحارب عدد من المجموعات والأفراد من أجله، ولحجم سيطرتها، ولكيف يمكننا أن نتصالح مع المجموعات الممكن التصالح معها. وبالمقابل، تكبر أسطورة "طالبان"، التي تحوّل مقاتلوها إلى أشباح ينتقلون من قرية إلى قرية. اليوم في أفغانستان، وغداً في باكستان، ينتقلون من الجنوب إلى الشمال وينتشرون عبر مختلف أرجاء البلاد. والأكيد أنه لن تكون ثمة صحوة أفغانية - على الأقل طالما أننا موجودون هناك. فرغم أن البلاد تبدو في حالة مزرية في أعين الغربيين، فإنها لم تصل بعد إلى درجة اليأس، ولاسيما أن العديد من الأفغان سبق أن عاشوا أوقات أسوأ بكثير: حرب أهلية شاملة، أحدثها تلك التي اندلعت بعد انسحاب القوات السوفييتية في 1989. ورغم أن النخب الأفغانية منفصلة في الغالب عن القتال اليومي، فإن المصالح السياسية في كابول آخذة في الازدياد. فلقرابة عقد من الزمن، اشتغل الرئيس الأفغاني والمقربون منه وفق اعتقاد خاطئ مفاده أن حاجتنا إليهم أكبر من حاجتهم إلينا. ففي 2010 مثلا، تلقت أفغانستان مساعدات خارجية تفوق من حيث معدل نصيب الفرد منها أي دولة نامية أخرى. ولكن هذا الأمر أخذ يتغير اليوم، ذلك أن مقتل بن لادن، والتطورات الراهنة في العالم العربي، والأولويات الاقتصادية الداخلية، والأسئلة المتزايدة حول شراكة أميركا مع أفغانستان ... كلها عوامل مساعدة بدأت تتضافر في وقت يعيد فيه المجتمع الدولي تقييم دوره. والواقع أن تقليص المساعدات الخارجية لن يعمل إلا على تكريس حالة عدم اليقين خلال الفترة المفضية إلى انتخابات 2014 الرئاسية في أفغانستان، وهي انتخابات محظور على كرزاي حالياً بمقتضى الدستور الترشح فيها. والحال أن انتقال السلطة ودعمنا طويل المدى للحكومة الأفغانية المقبلة سيكون أهم من خروجنا نحن من ذلك البلد. وحتى في ظل الخفض في عديد القوات الذي أُعلن عنه الأسبوع الماضي، إلا أنه سيكون ثمة مع ذلك أكثر 65 ألف جندي أميركي في أفغانستان في خريف 2012، حيث سيكون الكثير منهم منشغلين بتعليم وتدريب وتجهيز القوات الأفغانية حتى تتسلم المسؤولية عن أمن بلدها في الأخير. غير أنه هنا أيضاً علينا أن نفهم بشكل أفضل الأشخاص الذين نقوم بتقويتهم وإضفاء الشرعية عليهم، ولاسيما أن الأحزاب السياسية والقبائل والمجموعات الإثنية ستتصارع بشكل متزايد حول كمية أقل من الموارد، وستشكل تجربتها السابقة مع انسحاب قوة أجنبية تهديداً لايستهان به. وعليه، فإن ضمان امتلاك أفغانستان لقوة مستديمة وفعالة سيكون أمراً أساسياً خلال الأشهر والأعوام المقبلة. والواقع أن ثمة بعض اليأس في أفغانستان - يأس قد يزداد مع ازدياد حالة عدم اليقين السياسي ونقص الموارد، ولكنه ليس متركزاً في مكان معين أو داخل مجموعة معينة. وفي الأثناء، تتوق الولايات المتحدة، التي أخذ صبرها ينفد على نحو متزايد، لطي صفحة هذه الحرب في وقت يبدو أن الشعور بأن هذه حرب ضرورية قد زال. والأكيد أن القوة الوحيدة التي يمكن أن تغيّر أفغانستان في نهاية المطاف، هي الرغبة الجماعية للأفغان في إنهاء الحرب. ماثيو شرمان مسؤول سابق بالخارجية الأميركية، ومستشار سياسي للجيش الأميركي والحكومة العراقية من 2004 إلى 2007 ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"