في موعد سابق من هذا العام أشّرت "المراجعة الاستراتيجية" التي أجرتها وزارة الدفاع الأميركية على تحول في أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة يتم بموجبه توجيه المزيد من الاهتمام نحو منطقة آسيا- الباسيفيكي. كما تحدثت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عن هذا الأمر باعتباره يمثل"محوراً" يتجه نحو آسيا مشيرة بذلك إلى ما يعتبره الكثير من المحللين والأميركيين العاديين انتقالًا تأخر طويلاً بعيداً عن العراق، وأفغانستان، والشرق الأوسط بشكل عام. ولكن هناك مشكلة مع هذا، ألا وهي أن فعل التمحور يتضمن إدارة الظهر في حين أن الولايات المتحدة لا يجب بحال أن تدير ظهرها للشرق الأوسط. من المنطقي بالطبع أن تبذل الولايات المتحدة المزيد من الاهتمام لمنطقة آسيا- الباسيفيكي التي ستصبح قائدة للنمو الاقتصادي والتحدي الأمني خلال القرن الحادي والعشرين. ولا ينطبق هذا على الولايات المتحدة فحسب، حيث نقوم في الأردن بتوجيه المزيد من الاهتمام ناحية الشرق، وهذا أمر منطقي، لأننا ومع الكثير من دول الشرق الأوسط نقع في غرب آسيا، ندرك أن مراكز الثقل الجغرافي والعسكري، تتغير كما هو واضح للعيان. مع ذلك، يتعين القول إن أميركا عليها واجب ينبغي أن تؤديه تجاه هذه المنطقة والعالم العربي بشكل عام. ذلك لأن النشوة التي تولدت جراء" اليقظة العربية" لا يمكن أن تخفي حقيقة أن الشرق الأوسط يمر بحالة من الاضطراب والفوضى لم يسبق أن مر بها من قبل. في عام 2009 قال أوباما في القاهرة: "في حين أن الولايات المتحدة كانت تركز في الماضي على النفط والغاز في هذا الجزء من العالم، فإننا نسعى الآن إلى انخراط أوسع نطاقا". وهذا الانخراط الذي نأمل فيه جميعاً لا يمكن إدامته من خلال المحاور. إن فك الاشتباك العسكري الأميركي في العراق وأفغانستان أمر مرحب به داخل العالم العربي، ولكن لا بد من القول إنه ما تزال هناك حاجة لأنواع أخرى من الانخراط الأميركي. فرغبة العديد من دول الشرق الأوسط في الحصول على قدر أكبر من حق تقرير المصير مؤطرة بسؤال واضح في عباراته هو: بعد عقد من الحرب والجمود المتواصل في عملية السلام... هل ستترك أميركا المنطقة كي تلملم البقايا؟. إن ذلك الشعور بـ"إنهاك المهمة" الذي ساد في واشنطن كان يعني أن دروس التاريخ قد جرى إغفالها. وما لم يتحقق السلام بين إسرائيل وفلسطين، فإن هذه المنطقة من العالم ستظل تتصدر مكاتب وقرارات مجلس الأمن الدولي. وهناك في الوقت الراهن أربع قوى مركزية في الشرق الأوسط هي: إسرائيل، وإيران، وتركيا، والولايات المتحدة الأميركية وهي جميعها قوى غير عربية. ومن هنا فإن أي انسحاب جوهري من قبل الولايات المتحدة سيخلق على الأرجح فراغ قوة. وفي منطقة يعد فيها الوسطاء مهمين، فإن ذلك سيترتب عليه تداعيات. فعلى سبيل المثال، ليس هناك منتدى أمني في الشرق الأوسط يمكن فيه لإيران والمملكة العربية السعودية الجلوس سوياً على نفس الطاولة. وبالإضافة لموضوع إيران هناك إمكانية متزايدة لحركة المواد النووية الانشطارية بما في ذلك تقنية التسليح والوسائط البيولوجية عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد خلصت مبادرة التهديد النووي الذي أتشرف بعضويتها إلى أن هناك 32 دولة في المنطقة تمتلك ما مقداره كيلو جرام أو يزيد من المواد النووية، التي يمكن استخدامها في الأسلحة. وإذا انتقلت تلك المواد بطريقة غير شرعية إلى أي مكان ما، فإن الأمر سينتهي بها على الأرجح هنا في منطقتنا، ذلك لأن منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا كانتا لفترة طويلة مختبراً لتجريب كل سلاح. وإذا أخذنا في اعتبارنا أن الانتفاضات الأخيرة في المنطقة قد جعلت الحدود أكثر قابلية للاختراق فإننا سندرك أن عملية تقييد حركة المواد القابلة للاستخدام في الأسلحة، والاقتصاد السري القائم على الأسلحة لم تكن في أي وقت على هذا القدر من الصعوبة، التي هي عليه اليوم كما أن احتمال الإرهاب النووي في المنطقة لم يكن أخطر مما هو عليه الآن. لذلك فإن الولايات المتحدة ستجانبها الحكمة إذا حولت اتجاهاً أبعد مما يجب وأسرع مما يجب. فهناك الكثير من الأشياء التي تركت من دون إنجاز. ويمكن لأميركا أن تساعد بثلاث طرق: الطريقة الأولى: من خلال التركيز على ما تتسم به شعوب المنطقة من ذكاء وقدرة على تدبير الأمور بدلاً من الاعتماد على موارد الحكومات فحسب. إن البرامج التي تدعم ثقافة المبادرة والمشروعات الخلاقة والحكم المحلي الرشيد، والتي توفر فرصاً تدريبية أو قروضاً مصغرة يمكن أن تقوم وبكفاءة بمقاومة الدعاية المناوئة للغرب وتدعم التماسك المجتمعي وتنشر "الأمن الإنساني". الشيء الثاني الذي تستطيع الولايات المتحدة أن تقوم به هو أن تعمل على تعزيز العلاقات بين دول المنطقة، فالإطار الذي يربط غرب آسيا وشمال أفريقيا هو إطار مؤقت ومشخصن لدرجة متزايدة، كما أن الافتقار إلى مؤسسات إقليمية يعني أنه عندما يكون هناك توتر، فإننا لا نجد صمام أمان، ليقوم بتنفيث ذلك التوتر، وهو ما يزيد من احتمالات وقوع الصراعات. الشيء الثالث: يمكن لأميركا تجديد ميراثها في الشرق الأوسط وصورتها في العالم من خلال تحقيق تسوية راسخة وعادلة ومنصفة لعملية السلام. إن التحرك من أجل إبراز قيادة أميركا في منطقة آسيا- الباسيفيكي من خلال النمو الاقتصادي والأمن الأقليمي والقيم الدائمة، وهو يعتمد بشكل عام وعلى حد كلمات هيلاري كلينتون على ثلاثة من عناصر قانون هليسنكي 1975 وهي: الأمن، والتعاون الاقتصادي والتقني، وحقوق الإنسان، وهي عناصر إذا أخذت في مجموعها تكون أساس مشروع واعد جديد للعلاقات ليس مع منطقة آسيا- الباسيفيكي وإنما مع غرب آسيا أيضاً. ــــــــــــ الأمير الحسن بن طلال مؤسس منتدى غرب آسيا- شمال أفريقيا وعضو مجلس إدارة مبادرة التهديد النووي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم.سي.تي إنترناشيونال"