قبل حوالي العام، في الذكرى الثانية للخطاب التاريخي الذي وجهه أوباما للعالم الإسلامي، أفرجنا عن نتائج استطلاع للرأي كنا قد قمنا به في العالم العربي في 2011. كانت الخلاصات كارثية، وإن لم تكن غير متوقعة كلياً، حيث وجدنا أن الآراء والتقييمات الإيجابية حول أميركا عبر العالم العربي كانت أقل في 2011 مقارنة مع ما كانت عليه في العام الأخير من إدارة بوش. ولكن الخصوم الداخليين للرئيس قفزوا فرحاً، ورفضوا الاعتراف بأن فشل الأمل في التغيير إنما يعزى بشكل كبير إلى سياساتهم المعرقلة؛ كما بدوا غير قلقين بشأن عواقب هذه الخسارة في الثقة على قدرة أميركا على الاشتغال عبر المنطقة. ولعل الأكثر إثارة للقلق من التراجع السريع في مكانة أميركا في العالم العربي هي القيود التي فرضها الوضع على قدرة الولايات المتحدة على لعب دور بناء في الشؤون الإقليمية. ولدى وصوله إلى البيت الأبيض، ورث أوباما الفوضى التي تركتها إدارة بوش. والأكثر إثارة للاستياء ليس فقط حقيقة أن خصومه كانوا يدعمون السياسات التي أوصلتنا إلى هذه الفوضى أصلاً، وإنما أنهم واصلوا معارضة كل جهود الرئيس الرامية لتغيير الاتجاه. فقد نددوا بسحب القوات المحاربة من العراق، واليوم ها هم يدعون إلى انخراط غير محدود زمنياً في أفغانستان. كما ينتقدون تنديد إدارة أوباما بالتعذيب، ويوبخونه لأنه "اعتذر باسم أميركا". وقد عرقلوا كل الجهود الرامية لإغلاق معتقل جوانتانامو. واحتضنوا نتنياهو علانية، منحازين إلى الزعيم الإسرائيلي المتصلب ضد رئيسهم، ومحاولين في الوقت نفسه قطع المساعدات عن الفلسطينيين. كما نددوا بجهود التفاوض مع إيران من أجل كبح برنامجها النووي، داعين إلى مقاربة أكثر قوة وحزماً، مؤيدين في الوقت نفسه علنا "حق" إسرائيل في قصف ذلك البلد. كما رفضوا دعم برامج اقترحها الرئيس من شأنها تقديم المساعدات اللازمة لبلدان عربية تعيش حالياً تحولات ديمقراطية. وهؤلاء المنتقدون حاولوا استغلال كل مصيبة لإلقاء اللوم على البيت الأبيض. وعرقلوا التغيير حين كان ممكناً، داعين بشدة إلى اتباع الإدارة الحالية لسياسات الماضي التي أثبتت فشلها. ويمكن رؤية هذه الدينامية المدمرة في النقاش الحزبي الجاري حول العنف المروع والمستمر الذي يهز سوريا حالياً. فرَداً على الوضع السوري المأساوي الأسبوع الماضي، أكدت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة سوزان رايس أنه على رغم فظاعة أعمال العنف التي تشهدها سوريا، إلا أن الوضع يمكن أن يزداد سوءاً. وحذرت على نحو مفهوم من أية مقاربة عسكرية للنزاع، معددةً بواعث قلقها، لافتة مثلاً إلى أن "إيصال مزيد من الأسلحة" إلى سوريا يمكن أن يؤدي إلى "حرب أهلية شاملة وحرب إقليمية". وباسم أميركا، أوضحت رايس موقف الولايات المتحدة من حكم الأسد، ولكنها أكدت أنها ما زالت تعتقد أنه على رغم صعوبة تحقيقها، إلا أن نهاية دبلوماسية ومتفاوضاً بشأنها للقتال وللنظام تظل مفضلة على عواقب انفجار إقليمي قد يأتي من صب أطراف خارجية لمزيد من الزيت على النار. ثم إن ما تعرفه الإدارة أيضاً هو أنه نظراً للموقع الاستراتيجي لسوريا، وهشاشة البلاد وجيرانها، والمكانة السياسية المتدنية لأميركا في المنطقة، فإن تورط الولايات المتحدة في حرب برية أخرى في قلب الشرق الأوسط هو آخر شيء نحتاجه وتحتاجه المنطقة في هذا الوقت. ومن جهة أخرى، سعى خصوم الرئيس إلى استغلال الغضب العام من الفظاعات التي يراها تحدث في سوريا وإلى استغلالها على نحو غير مسؤول لتحقيق مآرب سياسية. وعلى سبيل المثال، فقد انتقد المرشح الرئاسي الجمهوري ميت رومني البيت الأبيض الأسبوع الماضي، واصفاً أوباما بأنه ضعيف وغير حاسم. غير أنه لم يتم اقتراح أي سياسة جديدة، وكل ما سمع هو الانتقادات الحادة. بل إن أنصار رومني ذهبوا إلى أبعد من ذلك، حيث دعا السيناتور ليندسي جراهام إلى تحرك عسكري هجومي تقوده الولايات المتحدة، ودعا السيناتور جون ماكين الإدارة إلى تسليح المعارضة السورية وإقامة "منطقة آمنة" داخل سوريا يستطيع المتمردون العمل فيها ضد النظام. ولكن، كيف يمكن القيام بذلك بدون شرعية دولية؟ وكيف يمكن أن ينتهي ذلك بالضبط، في وقت لا نعرف فيه ما يكفي عن المتمردين الذين سنقوم بتسليحهم، أو مدى قدرتهم على الفوز أو الحكم، وكذلك نواياهم في حال فوزهم؟ وكيف سيُستقبل هجوم تقوده الولايات المتحدة من قبل العرب، الذين على رغم كرههم للنظام السوري إلا أنهم أقل ثقة في أميركا وما زالوا يترنحون من تجربة العراق ومرحلة ما بعد الحرب؟ ثم كيف سيكون وقع كل هذا على السكان في سوريا، وعلى لبنان، والعراق، والأردن، وتركيا؟ إن هذه المطالبة بعمل قوي من قبل الولايات المتحدة قد تجد له صدى بين البعض وقد تسجل نقاطاً سياسية بين آخرين. ولكن في العالم الحقيقي الذي نعيش فيه، لا تمثل هذه الدعوات إلى ضربات عسكرية عقابية شيئاً أكثر من المجازفات المتهورة والخطيرة التي أوصلتنا إلى الفوضى المحدقة بنا اليوم. إذن ثلاث سنوات مرت بعد خطاب الرئيس التاريخي في القاهرة. والعالم العربي يعيش تحولاً مهماً، وأحياناً مزعزعاً للاستقرار في الوقت نفسه. والتغيير الموعود في السياسة الأميركية لم يلح في الأفق بعد. ولأننا نعيش اليوم وسط سنة انتخابية، يمكننا أن نتوقع أن الهجمات الحزبية ستستمر. أما الجهود التي تروم تغييراً حقيقياً، إن وُجدت أصلاً، فسيتعين عليها الانتظار حتى ما بعد انتخابات نوفمبر، على الأرجح.