يأتي إعلان وزير الهجرة الكندي عن قرار بلاده سحب جنسيتها من 3100 شخص من الذين خالفوا قوانين البلد والذين يكذبون أو يغشون حسب تعبير الوزير، واضحاً لا لبس فيه ولا غموض، فالقرار شمل بعض من تنحدر أصولهم من دول عربية وإسلامية وغيرها، غير أن كندا تعاملت مع الأمر كشأن داخلي لا علاقة له بأي كائن كان. والغريب أن معظم المنظمات الإنسانية وحتى الجماعات المتأسلمة لم تحرك ساكناً رغم أن القرار شمل بعضاً من منسوبيها. ما شاب القرار الكندي من صمت الجماعات الإسلامية يدلل بقوة على النظرة الازدواجية التي تتعامل بها مع الأحداث من خلال الكيل بمكيالين، فالإمارات العربية المتحدة التي تعاملت مع المغرر بهم من جانب التنظيمات المتأسلمة وفق ما تنص عليه قوانين الدولة دون أدنى تجنّ على حقوقهم، وأوضحت بأنها اتخذت خطوات سحب الجنسية من البعض بسبب خرقهم لشروط التجنيس الذي وقّعوه بأيديهم، وبناءً عليه تمت الموافقة على منحهم الجنسية الإماراتية، إلا أن قياداتهم في الخارج وأذرعها في الداخل بدأوا حملة شعواء أساءوا فيها للإمارات قيادةً وشعباً. لقد قام التنظيم المتأسلم بتجنيد دعاته، خبراء تفصيل مقاسات الفتاوى، ومن مختلف الأقطار بما فيها بعض الدول الخليجية والعربية والإسلامية، للهجوم على الإمارات ومحاولة الإساءة إليها وتزييف الحقائق والسعي لتصوير الأمر في شكل انتهاك لحقوق الإنسان رغم، أن الدولة كانت حريصة جداً على التعامل مع هذه الفئة وفق القانون الذي هو أول ضامن لحقوق الإنسان. هذه المجموعات التي حاولت تشويه صورة الدولة والتدخل في شأنها الداخلي وانتقاد قرارات تخص سيادتها وأمنها الاجتماعي، غضّت البصر عن كل ما قدمته الدولة لأولئك المارقين المغرر بهم، فقد وفّرت لهم كل سبل التعليم والرعاية والعلاج والوظيفة والزواج والمأوى وغيرها من ضرورات وكماليات الحياة، ورعت أسرهم خير رعاية وقدّمت لها ما لم تقدمه دولة أخرى في العالم لرعاياها، وأوجدت لهم المكانة الاجتماعية التي يتشدقون من خلالها، خاصة حملة شهادات الدكتوراه منهم الذين تباهوا بتلك الشهادات ونسوا أن الدولة هي من صرفت عليهم لنيل درجاتهم العلمية، ولكن وللأسف هؤلاء لا يثمر الخير فيهم. أغمض التنظيم المتأسلم عينيه أيضاً عن الخيانة التي تعرضت لها الدولة من هؤلاء وحنثهم القسم الذي أقسموه للحصول على جنسية الإمارات وطعنهم الغادر من الخلف لمجتمع آواهم واحترمهم وقدّم لهم كل ما يمكن لمجتمع تقديمه من محفزات حياتية، وعن خيانتهم الواضحة للدولة التي احتضنتهم وكرّمتهم. ولم يحاول التنظيم المتأسلم التعليق على قوانين الدولة المستمدة من الشريعة الإسلامية ولا المظهر الإسلامي العام للدولة والذي ندر أن نجد له مثيلاً في دولة إسلامية أخرى، ولا تواضع وعدالة الشيوخ واهتمامهم برعيتهم اهتماماً قلّ أن يوجد له مثيل حتى في الدول المتقدمة التي تصف نفسها بدول العالم الأول. وحاول تنظيم الإخوان المتأسلمين في الخارج وفي خضم حربه على الإمارات إخفاء رقيّ الإجراءات القانونية السليمة التي تم بموجبها القبض على أولئك المارقين، فالقبض لم يتم إلا بعد استيفاء المعلومات الكافية التي تجيزه، وبعد أن تم استصدار أمر من النيابة كخطوة قانونية لا غبار عليها، حيث تمت معاملتهم كمتهمين لا كمذنبين، واستغرقت التحقيقات وقتاً كافياً للتأكّد مرة أخرى من صحة التهم الموجهة إليهم من عدمها، قبل أن يتم تقديمهم لمحاكمات عادلة يحكم فيها قضاء مستقل نزيه شهدت له مسيرته الحافلة منذ تأسيس الدولة بالوقوف مع المظلوم في وجه الظالم دون تأثير من هذا الطرف أو ذاك، وقدّم عدداً من النماذج المشرّفة في قضايا انتصر فيها لأفراد عاديين بعضهم غير مواطنين، على المؤسسات الحكومية السيادية منها والاعتبارية، وقام بمحاكمة كل من أخطأ بغض النظر عن مكانته وعمن يكون. ورغم أن سحب الجنسية كان محدوداً وانحصر في قلة قليلة من الذين تم تقديمهم للمحاكمة، وقد تم وفق القانون بامتياز، إلا أن رشق الجماعات الإسلامية للدولة لم يتوقف، فهل يجرؤ هذا التنظيم الذي اعتاد الكيل بعدة مكاييل على انتقاد الأحكام الكندية والتي بلغ فيها عدد من سحبت الجنسية منهم 3100 شخص؟ الإجابة لا تحتاج إلى اجتهاد، فهم لن يستطيعوا ذلك لعدة أسباب: أولها أنهم يعلمون بأنه شأن داخلي كندي وأن تدخلهم فيه سيجر عليهم وعلى الكثير من منتسبيهم بكندا نتائج لا تحمد عقباها، فهم يخشون الحكومات الغربية أكثر من خشيتهم الله تعالى، وتجاربهم في الكثير من الدول كأفغانستان ودول "الربيع العربي" أثبتت تهافتهم على إرضاء الغرب. وثانيها أن هذا الموضوع لا يعنيهم وليست لديهم مصلحة في انتقاده، وهي أهم نقطة في الموضوع، ما جعل أذرعهم ومعها بعض المنظمات التي تدّعي مناصرة حقوق الإنسان، والجماعات الدولية التي بحّ صوتها ضد الإمارات، تختفي تماماً عن المشهد الكندي وتحجم عن عادتها في النباح باعتراضاتها بالجملة والمفرق، وهو ما يمثل قمة الازدواجية الشنيعة! ويبدو أن التسييس طغى على كل الملفات ولم يبق لهذه الجماعات المنظمة إلا العمل ليلاً ونهاراً من أجل إساءة سمعة الإمارات بهدف التأثير سلباً على نهضتها وتقدمها، مستغلين بعض الإماراتيين الذين سرقتهم الأطروحات الخادعة عن آثار تبعيتهم في محاولات تخريب المنظومة الاجتماعية التي ميزت الدولة. الأصوات التي تتشدق متحدثة عن الشأن الإماراتي، أو تلك المنظمات الدولية التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان وتطالب بتعطيل القانون الذي يمثّل هيبة الدولة وإطلاق سراح هؤلاء المقبوض عليهم -وليس المعتقلين حسب ما يدعون- الذين باعوا أنفسهم للخارج، لم تنبس ببنت شفة ولم تقدم أي اعتراض فيما يخص الوضع الكندي، لأنه ببساطة يخيفهم ولا يهمهم بالقدر الذي يهمهم به الشأن الإماراتي الذي يأملون فيه، من خلال أذنابهم، تحقيق مصالح شخصية مبطنة، بعدها يركلون أذنابهم كما ركل النعمان سنمار في قصة الحيرة المعروفة، وهم أكثر من اشتهر بغدر العهود والوعود. د. سالم حميد كاتب إماراتي @bgsalem