ليس رفضاً من أجل الرفض لهذا الموقف الصارم الذي أبداه مجتمع الإمارات ضد حركة الإخوان المتأسلمة كما يُطلق عليها بعض مناهضيها، لكن بغض النظر عن صحة أو بطلان شعاراتها التي ترفعها نبقى في مقام المعافى الذي لا يحتاج دواءً. فالتغير الذي تنادي به هذه الحركة لا تحتاجه الدولة، فهي بحمد الله تمكّنت من تأسيس نهضة مذهلة اتكأت على بنية تحتية متينة، وامتلكت من المزايا الإيجابية ما ميّزها بخصوصية لا تتوافر ملامحها في مجتمع آخر، وأصبحت قبلة مفضّلة لتحقيق أحلام مختلف الجنسيات والأمم، ومثّلت نموذجاً عصرياً فريداً... وهذا هو السبب الأول. أما السبب الثاني فهو أن المواطن الإماراتي لا ينقصه شيء، ويعيش في دلال تحسده عليه الكثير من الشعوب والمجتمعات، وليس في مصلحته تغيير هذا الوضع الإنساني المتكامل بوضع مجهول لا تتضح معالمه، خاصة وأنه رأى بأم عينيه أشكال وطبيعة تغيير هذه المجموعة للمجتمعات من خلال الدول التي أمسكت فيها زمام الأمور. فالإماراتي في وضعه الراهن توافرت له كل سبل الحياة الضرورية من تعليم وصحة ومأوى وعمل. السبب الثالث الذي قاد المجتمع الإماراتي لرفض التغيير هو طبيعة العلاقة بينه وبين حكامه الذين مثّلوا نموذجاً للخصوصية التي ميزتهم بمخالطة الشعب، وتلمّس همومه والسعي لحل مشكلاته حتى قبل حدوثها في بعض الأحيان، وإبقاء أبوابهم مشرعة أمام الجميع، ووضع أنفسهم في مرتبة متساوية مع الشعب، وعدم ترك مواصفات ناقصة تجعل الشعب يبحث عنها في مكان آخر. السبب الرابع هو صدمة المجتمع الكبيرة في قادة التنظيم، والذين ظلوا يخدعونه عقوداً ثلاثاً بوجوه زائفة وهم يضمرون له الأذى، وخيانتهم ثقته التي أولاهم إياها بائتمانهم على مناصب ومؤسسات سيادية ومجتمعية، وائتمانهم على أطفاله ونسائه. السبب الخامس هو الاستياء العام من تلك الشخصيات التي استعانت بالغير للإضرار بالمجتمع، وسعت لتشويه صورة الإمارات في الخارج وعبر مواقع التواصل الاجتماعي. والإساءة للبلد لا تعني الإساءة لشخص أو فئة، لكنها إساءة للجميع. ولأن أضرارها ستطال الجميع، ولأن آثارها تقع على الجميع، ففي البلدان التي استعان أبناؤها بقوى خارجية لنصرتهم فيها لم تفرّق القنابل بين مقصود وغير مقصود، ولم ينسحب التردي الاقتصادي على فرد من دون آخر، ولم يستثن الفقر والعوز أحداً هناك. إذن، الاستهداف هو استهداف للجميع، واستشعار خطورته مثل سر كيمياء الموقف الموحّد الذي اتفق حول الرفض القاطع لـ"الإخوان" وما ينادون به من بريق التغيير الزائف. السبب السادس للرفض الإماراتي العام هو أن التنظيم الإخواني لم يعترف بتدين المجتمع، ولم يقدّر التمسك الفطري لدى لمجتمع الإمارات بدينه، ولا بما حققته الدولة من نهضة دينية جعلتها في مقدمة الدول التي تجتذب الدعاة والأئمة ومختلف الرموز الدينية، ولا الاحتفاء بالشخصيات الدينية وتكريمها في كل عام، ولا ما تحتضنه الدولة من المقرئين والأئمة والدعاة في كل عام خلال شهر رمضان الكريم... فكل هذه الثوابت الواقعية لا تمثّل "الإسلام الإخواني" الذي لا يعرف من الدين غير شعارات برّاقة تم إفراغها عن مضامينها لممارسة التضليل بهدف وحيد هو الوصول للحكم على انقاض مجتمع تعصف به الفوضى واللااستقرار والانفلات الأمني، وهي شروط أساسية لتتويج الرئيس الإخواني لأي حكم. السبب السابع الذي وحّد الموقف الشعبي الإماراتي هو ما شهده الإماراتيون من حال الدول التي ينشط فيها التنظيم الإخواني أو تلك التي وصل فيها للسلطة، والنقاط المجتمعية المفصلية التي حقق فيها تراجعاً حاداً من دون أن يحقق أية إيجابيات تذكر، فبعض البلدان أغرقها التنظيم في وحل فوضى تحتاج سيلاً من السنوات لعلاج آثارها، وبعض آخر حوّل التنظيم شعوبه من بيوتهم الآمنة إلى معسكرات النزوح، ومن حياة معقولة لحياة ذل وبؤس، وجعلهم مادة يقتات منها الإعلام العالمي الشامت، وبعض آخر قاموا بتقسيمه وتشريد أهله وتمزيقه اقتصادياً ومعنوياً. إذن، من حق الشعب الإماراتي وهو يرى بأم عينيه شكل التغيير الذي تبشّر به هذه الجماعة أن يرفضه رفضاً قاطعاً، خاصة في ظل عدم توافر شروط ومقتضيات هذا التغيير. السبب الثامن الذي أسهم في رفض المجتمع الإماراتي لتنظيم المتأسلمين هو ما يتناوله قادته من سبّ بعضهم بعضاً وتكفير بعضهم بعضاً على العلن، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي ومختلف الوسائل الإعلامية بعدما أصبح العالم ليس قرية وإنما شاشة هاتف محمول أو كمبيوتراً، ومتاحاً أمام الكل. وخلافات قادة فصائل التنظيم انعكست جلياً على أحوال الدول التي ينشط فيها، وعانت منها مختلف المجتمعات، فما من دولة نشط فيها تنظيم "الإخوان" إلا وتغشّاها اضطراب دائم وتوترات لا تنتهي وتفلتات أمنية متواصلة. السبب التاسع لرفض مجتمع الإمارات لـ"لإخوان" هو اختلاف طبيعة التنظيم عن طبيعة حياة الإمارات، فالتنظيم من طبعه الانعزال والعيش في الظلام، وطبيعة المجتمع الإماراتي متماسكة اعتادت على الوضوح والعيش في النور، والتنظيم ينتهج السرية أسلوباً ويظهر خلاف ما يبطن، والمجتمع الإماراتي فطره الله تعالى على الصدق والوضوح وعدم الخوف من قول أو فعل طالما اقتنع به صاحبه. إذن، يستحيل على المجتمع الإماراتي بأي حال التماهي مع التنظيم الإخواني في قلب العادات المفصلية، وهي من نوع العادات التي خلقها الله كارهة بالفطرة لمضادّاتها، وغير قابلة للتعايش معها، لأن هذه الطبائع وضعها المجتمع في موضع القيم، والقيم الاجتماعية والمجتمعية في كل الأمم يستحيل التنازل عنها إلا عبر خيانة المجتمع. السبب العاشر والأخير، من ضمن أسباب لا تحصى ولا تعدّ، هو انتهاج هذه الفئة أساليب استفزازية لخصوصية وأدبيات المجتمع الذي اعتاد إطاعة ولي الأمر كما أمر الدين، فقامت الحركة بالتطاول عليه، وتسفيه القيم الاجتماعية، وهو ما جعل المسافة تتسع بين التنظيم والمجتمع منذ بداياته الأولى.