كان مشهداً لا يُنسى من مشاهد الأمم المتحدة، عندما رفع «نيكيتا خرتشوف»، سكرتير الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، حذاءه وضرب به على منضدة الأمم المتحدة، في الثالث عشر من أكتوبر عام 1960، وكان يرد بانفعال على حديث لأحد أعضاء الوفد الفلبيني الذي قال: «إن الاتحاد السوفييتي ابتلع أوروبا الشرقية وحرمها من حقوقها المدنية والسياسية». كان بكامل حريته في هذه المنظمة الأممية، مع أن العداء استحكم بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، والحرب الباردة في أوجها، وأزمة الصواريخ الكوبية على مشارف ظهورها. لم تستطع الولايات المتحدة، بأي حال من الأحوال، منع أي زعيم سوفييتي طوال صراع الدولتين على تسيد العالم، بل كان الزعماء السوفييت يحضرون اجتماعات الأمم المتحدة، في نيويورك، والأمر ذاته يحدث من فيدل كاسترو، الزعيم الكوبي، الذي كان يخطب على منبر الأمم المتحدة بالساعات، دون أن يمنعه خلافه السياسي العميق مع واشنطن من دخول نيويورك، لأن الداعي إلى اجتماعات الأمم المتحدة، ليست الحكومة الأميركية، بل الأمين العام للأمم المتحدة، المنظمة الدولية، ذات العضوية من عشرات الدول. معمر القذافي، الزعيم الليبي السابق، خصم أميركا اللدود، الذي مزق ميثاق الأمم المتحدة أمام الحضور، دخل إلى نيويورك مراراً، سواء في أوقات الصلح مع أميركا أو في أيام الحرب. وفي سبتمبر من عام 2012، دار جدل حول إمكانية مشاركة نجاد في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبطبيعة الحال حضر رغم كل العداء بين أميركا وإيران، حينها! المنظمات العالمية الكبرى ليست مدرسة ثانوية تابعة للدولة أو مقراً لشرطة، بل هي فضاء عالمي لا يحق للدولة أن تتحكم فيه أو أن تتدخل في أسماء الضيوف، وهذا الذي حدث في الإمارات. حضور الإسرائيلي هو حضور للمنظمة وليس حضوراً للدولة. ومع كل حدث تنموي في الإمارات يحدث هناك تشويش من قبل البعض. هذا البلد العالمي الذي يستضيف بشكل دائم مؤتمرات من الشرق والغرب حول التقنية أو العلوم أو الطاقة أو سواها من المؤتمرات العالمية الكبرى. الآن تعود هذه الضجّة بعد الوكالة الدولية للطاقات المتجددة «آيرينا»، وهي منظمة دولية لتشجيع اعتماد الطاقة المتجددة على نطاق العالم، تستضيفها الإمارات، لكن لا سلطان للإمارات عليها! فأي منظمة عالمية في أي دولة هي ملك العالم، وليست ملك الدولة المستضيفة. إن التصعيد وادعاء البطولات الذي يبديه البعض، معلناً انسحابه من المشاركة بسبب حضور وفد إسرائيلي لقمة «آيرينا»، لا يعدو كونه بطولة من ورق، وإلا فما الذي يمنعكم من الانسحاب من الأمم المتحدة بسبب عضوية إسرائيل، ومن اليونيسكو بسبب فاعلية تمثيل إسرائيل، ومن ومن ومن... الحكومات منضوية ضمن القانون الدولي ولا تخالفه، فلا داعي للمزايدة على مواقف الإمارات الحازمة تجاه إسرائيل، أو مواقفها الداعمة للفلسطينيين. أما موقف الكويت في عدم حضور المؤتمر بسبب وجود الوزير الإسرائيلي، فالكويت ليست عضواً في المنظمة، بل هي ضيف شرف، وأراد ممثلو هيئة الماء والكهرباء أن يأخذوا موقفاً بطولياً. الحاقدون على الإمارات كثر، لهذا يتزامن الهجوم عليها مع أي تقدم أو نجاح، ولا أجد أفضل من تعبير الوزير أنور قرقاش الذي كتب: «أعداء الإمارات يؤرقهم نجاحها ودورها الإقليمي والدولي الرائد، وريادة تجربتها العربية التنموية المباركة، وأما الحاقد فسيبقى يرمي حجره من دون أن يطال الإمارات ونجاحها. معظم المتحاملين لا يهمهم موضوع مشاركة إسرائيل في مداولات آيرينا، بل هدف حقدهم الإمارات، وإنْ استبدلوا عنوان هجومهم بعنوان آخر، كل ما جدّ جديد».