حجبت الحكومة التركية يوم الخميس الماضي، 20 مارس 2014، موقع تويتر عن كل مستخدميه، وكانت الحكومة التركية قد طلبت العام الماضي من شركة تويتر إنشاء مكتب تمثيلي لها داخل البلاد وذلك حتى تمتد قبضة الحكومة التركية على موقع تويتر حين ترغب بإصدار أوامر له بإزالة محتوى أو الحصول على بيانات مستخدمين. وقد لجأت الحكومة التركية مسبقاً للضغط على شركة «جوجل» من أجل أن تفتح مكتباً لها في تركيا بعدما حجبت موقع يوتيوب عن المستخدمين الأتراك لمدة عامين، ونجحت في مسعاها بافتتاح مكتب لشركة «جوجل»، ولكن «جوجل» أحجمت عن الرد على طلب أنقرة، وكان رئيس الوزراء التركي أردوغان قد انتقد تويتر أمام الآلاف من أنصاره وقال «سنمحو كل هذا. بوسع المجتمع الدولي أن يقول هذا أو ذاك. لا يهمني على الإطلاق. الجميع سيرون مدى قوة الجمهورية التركية». ويأتي الحجب بعد أن تصاعدت حدة قضية الفساد وتبعاتها مع نشر سلسلة من التسجيلات الهاتفية المنسوبة لأردوغان وأفراد من أسرته تم تحميلها على شبكة الإنترنت وتداولها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، تسجيلات تشير إلى فضائح فساد على أعلى المستويات الحكومية، فيما اصطلح على تسميته بـ«تصفير الأموال»، في إشارة إلى مكالمة هاتفية مزعومة تدور بين أردوغان وابنه بلال يسأل فيها ابنه عدة مرات إن كان قد تم «تصفير الأموال». لتتحول قضية الفساد إلى أزمة سياسية على أبواب الانتخابات البلدية المرتقبة في 30 أبريل المقبل، والانتخابات الرئاسية في أغسطس القادم، ومن اتباع سياسة «تصفير المشاكل» التي اخترعها وزير خارجية تركيا أحمد داوود أوغلو إلى تصفير الخصوم السياسيين فقد اعتمد أردوغان على أسلوب إقصاء الخصوم السياسيين ثم التخوين. وكانت لتصدع تحالف أردوغان مع الداعية فتح الله كولن نتائج كارثية، وهذه التسجيلات المسربة التي لم تثبت صحة محتواها هي أحد أساليب الحرب المتصلة بين أردوغان وفتح الله كولن، وهي حرب يستخدم فيها كل طرف أدواته ليُدخل الطرفان تركيا في مستنقع من الأزمات المتعاقبة. لم تنجح حكومة أردوغان في مسعى الحكومات التركية المتعاقبة الأزلي تجاه الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بل إن دول الاتحاد الأوروبي مستمرة في انتقاد سياسات حكومة أردوغان إزاء قمع الحريات وتكميم المعارضة والانغماس في قضايا الفساد. وفشلت سياسات «العثمانيين الجدد» في التوجه شرقاً نتيجة لارتداد نتائج «الربيع العربي» على السياسة التي انتهجتها حكومة أردوغان إزاء دعم «الإخوان المسلمين» بالتدخل السافر في شؤون دول «الربيع العربي» لاسيما التدخل في الشأن المصري مما أثر سلباً على سياسات الحكومة التركية الشرقية. وبدلاً من تصفير المشاكل مع دول الجوار الجغرافي تواترت الإخفاقات السياسية في السياسة الخارجية التركية غرباً وشرقاً. وفي ظل «الربيع العربي» وما شهده من صعود للتيارات الإسلامية الإخوانية تصاعد الحديث عن «النموذج التركي»، وطبلت وسائل الإعلام الإخوانية لـ«العثمانيين الجدد» وللسلطان أوردغان كنموذج للنجاحات الإسلامية في تحقيق نمو اقتصادي متسارع في تركيا ولنموذج الإسلام المعتدل الذي يمثله «الإخوان المسلمون» متناسين أن نموذج حزب العدالة والتنمية نجح ليس لأنه حزب إسلامي يؤمن بالديمقراطية، وليس لأنه تحت قيادة أردوغان، ولكن ببساطة لأنه يحكم في ظل جمهورية ديمقراطية علمانية منذ 80 عاماً. وعلى رغم ذلك لم تحجب النجاحات الاقتصادية السابقة الاستبداد وقمع الحريات المتصاعدة لحكومة حزب العدالة والتنمية والتحول تدريجياً إلى الاستبداد السياسي في ظل الدولة العلمانية بعد أن نجح في إقصاء الخصوم السياسيين وتحجيم وسائل الإعلام التقليدية وصولاً إلى وسائل التواصل الاجتماعي. ستشكل الانتخابات البلدية نقطة فاصلة في السياسة التركية في ظل تباطؤ نمو الاقتصاد التركي وارتفاع معدلات البطالة وتواصل هبوط أسهم البورصات وقيمة الليرة التركية إضافة إلى قضايا الفساد وانتهاكات الحقوق والحريات بالقانون ليؤسس أردوغان لسياسة تصفير الحريات في تركيا.