لا يزال الإسرائيليون والفلسطينيون منشغلين بدفن أبنائهم وأحبائهم الذين سقطوا ضحية هذه الحرب الثالثة خلال ست سنوات. ومنذ 8 يوليو الماضي، عندما اندلعت الحرب الجديدة، قُتل أكثر من 1900 فلسطيني ونحو 68 إسرائيلياً. وانفطرت قلوب البشر في العالم أجمع عندما شعروا بأن المزيد من الضحايا سوف يسقطون، وأن عدد القتلى سوف يزداد كل ساعة. ويمكن أن تُعزى هذه المأساة إلى الإفشال المتعمد للجهود الواعدة التي كانت تهدف إلى إحلال السلام في المنطقة عندما تم الإعلان عن مؤشرات إيجابية لعودة الوفاق بين حركتي «فتح» و«حماس» في أبريل الماضي. وجاءت هذه المبادرة من «حماس» عندما أعلنت أنها لا تمانع في تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية جامعة، حتى ولو خلت من أي وزير حمساوي. وأعلنت الحكومة الفلسطينية الجديدة أنها تتبنى المبادئ الأساسية الثلاثة التي تطالب بها اللجنة الرباعية الدولية، وهي: نبذ العنف، والاعتراف بإسرائيل، والتمسك ببنود الاتفاقيات السابقة. وكان مما يؤسف له أن إسرائيل رفضت اغتنام هذه الفرصة السانحة لإحلال السلام وعمدت إلى منع حكومة الوفاق الفلسطينية من أداء مهماتها في غزة. وهناك عدة عوامل ضرورية لجعل الوحدة الفلسطينية أمراً ممكناً؛ من أهمها، الرفع الجزئي (على أقل تقدير) للحصار المفروض منذ سبع سنوات على 1.8 مليون مواطن فلسطيني في القطاع. كما يجب أن يحصل المعلمون ورجال الشرطة وعمال الصحة والنظافة المنضوين تحت لواء حكومة «حماس» على رواتبهم. وهذا شيء ضروري من أجل تحقيق أبسط المعايير الإنسانية حتى تستمر الحياة وتتواصل، وهي الحقوق التي ما زالت إسرائيل تصرّ على تجاهلها، إذ عمدت إلى فرض حظر على التمويل القطري لدفع رواتب الموظفين الحكوميين المدنيين، وأحكمت حصارها على حدود غزة لتمنع الدخول إليها والخروج منها. ولا توجد ثمّة معايير إنسانية أو قانونية تحكم الطريقة التي يمارس بموجبها الجيش الإسرائيلي هذه الحرب. فقد قام بتدمير أجزاء كبيرة من غزة، بما فيها آلاف المنازل والمدارس وحتى المستشفيات. وأدت هذه الحملة العسكرية الهوجاء إلى نزوح أكثر من 250 ألف شخص عن منازلهم. وقُتل المئات من الفلسطينيين المدنيين العُزّل، وانقطع التيار الكهربائي ومصادر المياه عن معظم أحياء غزة بشكل تام. إنها بحق كارثة إنسانية. وليس ثمة من عذر أو مبرر على الإطلاق لمثل هذه الهجمات التي تستهدف المدنيين في أي صراع. لقد ارتُكبت في غزة جرائم حرب. وهذا الحكم ينطبق على الطرفين المتصارعين. ولابد من الإشارة إلى أن استهداف «حماس» للمدنيين الإسرائيليين بالصواريخ هو سلوك غير مقبول. ورغم أن ثلاثة إسرائيليين فقط سقطوا قتلى بالصواريخ الفلسطينية، فإن الغالبية العظمى من أصل 1900 فلسطيني قتلوا في هذه الحرب هم من المدنيين، بمن فيهم أكثر من 330 طفلاً. وأصبحت الحاجة ماسة الآن لتشكيل لجنة دولية فاعلة لتقصي الحقائق وضبط المخالفات القانونية لقواعد الحرب من أجل وضع حد لهذا الخرق الفاضح للقانون الدولي. ويتحتم على مجلس الأمن السعي بكل جهده لإيجاد الوسائل التي يمكن أن تحدّ من الاستخدام المفرط للقوة من الطرفين المتحاربين. وعليه أن يصوّت لصالح قرار يندد بالأوضاع غير الإنسانية في غزة وأن يضع إطاراً زمنياً محدداً لإنهاء الحصار المفروض على القطاع. ويجب أن يؤكد القرار على الحاجة لنشر مراقبين دوليين يمكنهم أن يقدموا تقاريرهم عن طبيعة الحركة من القطاع وإليه، بالإضافة لتحديد الطرف الذي يخرق اتفاق وقف إطلاق النار. ولابد من أن يتم بعد ذلك وضع إجراءات وتدابير صارمة لمنع تهريب الأسلحة إلى غزة. لقد بدأت المناقشات حول هذه القضايا بالفعل. وتأمل «منظمة العجائز» the Eders غير الحكومية التي تسعى لتحقيق السلام في أماكن التوتر في العالم، والتي ننتمي إليها، في أن تتواصل هذه النقاشات حتى تؤتي أُكلها. وبناءً على طلب الفلسطينيين، تسعى الآن الحكومة السويسرية لاستضافة مؤتمر دولي للدول الموقعة على معاهدة جنيف يهدف للتأكيد مجدداً على ضرورة احترام حقوق الإنسان أثناء الحروب. ويمكن لمثل هذه المبادرات أن تفرض ضغوطا على إسرائيل و«حماس» من أجل الالتزام بالواجبات الأخلاقية لحماية السكان المدنيين. ويعمرنا الأمل في أن تشارك جميع الدول، وخاصة الغربية منها التي تمتلك القوة العسكرية الكبرى، في هذا المؤتمر، وأن تعلن مجدداً التزامها باتفاقية جنيف التي تحكم طريقة التعامل مع السكان المدنيين في المناطق المحتلة. والآن، أصبحت وشائج التقارب والوحدة بين «فتح» و«حماس» أقوى مما كانت خلال السنوات الماضية. ونحن في «منظمة العجائز»، نعتقد اعتقاداً راسخاً بأن هذا التقارب يمثل أكثر التطورات تشجيعاً لنا وتمهيداً لنجاح مبادراتنا، ولهذا السبب فإننا لن ندّخر جهداً عن الترحيب به. كما أن هذا التقارب يقدم فرصة للسلطة الفلسطينية لإعادة بسط نفوذها على غزة، وهو ما يمثل الخطوة الأولى التي ستدفع إسرائيل لفك حصارها عن القطاع. ويجب أن يكون الهدف الأول للمجتمع الدولي ضمان تنقل المواطنين والبضائع من وإلى غزة عبر إسرائيل ومصر والبحر. ويتوجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عدم النظر إلى «حماس» باعتبارها مجرد حركة ثورية مسلحة، بل باعتبارها قوة سياسية فاعلة قائمة على الأرض. ولا يمكن لأحد على الإطلاق استبعادها من أي مشروع سياسي لحل مشاكل القطاع. كما لا يمكن للغرب المساهمة في المبادرات الجادة لحل المشكلة بمحاولة إقناع «حماس» بوضع السلاح والانصراف إلى الحلول السياسية البحتة إلا بعد اعترافه بوجودها كلاعب سياسي فعّال وكممثل لقطاع واسع من الشعب الفلسطيني. ومنذ انتخابات عام 2006 التي نظمت تحت إشراف دولي ووصلت من خلالها «حماس إلى سدّة السلطة في فلسطين، اتخذ الغرب موقفاً معارضاً لهذه النتيجة. ويمكن القول بكلمة أخيرة بأن السلام الدائم في الشرق الأوسط لن يتحقق إلا بإقامة دولة فلسطينية تقوم بجوار دولة إسرائيل. ----------------- جيمي كارتر الرئيس الأسبق للولايات المتحدة ـ ـ ـ ـ ـ ماري روبنسون رئيسة سابقة لجمهورية آيرلاندا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»