في عالم يتعطش للأمل ويفتقر للقيادة القوية، تضرب مارينا سيلفا مثلاً نادراً يبث الأمل في نفوس الشعوب حول العالم، بعد أن صعدت من فقر مدقع لتصبح المرشحة الأوفر حظاً في سباق الرئاسة البرازيلية. وفي حياة سيلفا ورسالتها عبرة للجميع، من أفقر الفقراء والمستضعفين في الأنظمة المستبدة إلى رئيس الولايات المتحدة نفسه. فحتى منتصف أغسطس الماضي لم تكن سيلفا (56 عاماً) تتصدر واجهة الحياة السياسية البرازيلية، لكن لطالما ألهمت قصة كفاحها البرازيليين. ولدت المرأة في مزرعة لأشجار إنتاج المطاط ونشأت في أسرة بها 11 طفلاً وقضت قسطاً كبيراً من طفولتها تعاني من الأمراض الاستوائية، وتيتمت في السادسة عشرة من عمرها، وتلقت تعليمها في دير ولم تصبح أول فرد من أسرتها يستطيع القراءة والكتابة فحسب بل حصلت على درجة علمية في التاريخ. وفي فترة مبكرة من مشوارها السياسي تحالفت مع الناشط البيئي تشيكو مينديث للتصدي لتدمير الغابات المطيرة. وبسبب ما حققته من شعبية في نشاطها، انتخبت عضواً في مجلس الشيوخ البرازيلي عام 1994. وفي البرلمان واصلت كفاحها من أجل إقرار قوانين ولوائح تحد من تدمير الأدغال البرازيلية التي تعد «رئة الكوكب» لكونها تنتج خمس أكسجين العالم. ثم أصبحت وزيرة في حكومة الرئيس لولا دا سيلفا. وخلق اهتمامها بالبيئة انقسامات بينها وبين آخرين رأوا أن قضايا البيئة لا تنسجم والتنمية الاقتصادية، واستقالت من منصبها عام 2008. وبعدها بعام أصبحت مرشح حزب الخضر لمنصب رئاسة البرازيل، ولم تفز إلا بخمس الأصوات تقريباً في الجولة الأولى، ولم تتح لها فرصة الإعادة. وانتقلت سيلفا إلى الحزب الاشتراكي عام 2013، وأصبحت في وقت مبكر من العام الجاري مرشحته لمنصب نائب الرئيس ضمن حملة المرشح الرئاسي للحزب إدواردو كامبوس. وفي 13 أغسطس الماضي لقي كامبوس حتفه في تحطم طائرة. وفي الأسابيع التالية صعد رصيد خليفته سيلفا بسرعة في استطلاعات الرأي. ورغم هذا لا يرجح أن تقضي سيلفا على أمل الرئيسة الحالية ديلما روسوف في الفوز بولاية ثانية في الجولة الأولى من الانتخابات في الخامس من أكتوبر الجاري، لكن أمامها فرصة لكي تلحق بها الهزيمة في جولة الإعادة. ولاحظ بعض العليمين بالسياسة البرازيلية أن لولا مازال ملتزماً بالصمت فيما يتعلق بتفضيلاته، وهو ما فسره البعض بأن الزعيم الشعبي، مثل كثير من البرازيليين، مستاء من الأداء غير المتميز لروسوف. صحيح أن بعض الفضل في صعود سيلفا يعود لما حدث من صدمة وتعاطف بعد وفاة كامبوس، لكن مشوارها السياسي المؤثر يوضح أن صعودها لم يعتمد على مجرد ضربات حظ. إنها امرأة استثنائية، وصعودها يقدم دروساً مثيرة للاهتمام فيما يتجاوز حدود البرازيل. ومن المؤكد أن رئيس البرازيل التالي سيكون امرأة. ففي السباق الرئاسي، تتقدم روسوف وسيلفا بفارق كبير على المرشح الذي يحتل المرتبة الثالثة، أسيو نيفيس. ويشاع أن نيفيس قد يعلن دعمه لسيلفا بعد إعلان نتائج الجولة الأولى. وفي عالم مازال فيه تمثيل المرأة السياسي بعيداً عن المساواة والعدل، تقدم خامس أكثر دول العالم سكاناً أول حملة انتخابية رئاسية تعيها الذاكرة يكون فيها أبرز المتنافسين نساء. وسيلفا تختلط فيها دماء السكان الأصليين والأفارقة البرازيليين والبرتغاليين، لكنها تصف نفسها بأنها سوداء. وستكون أول رئيس بهذه التركيبة في بلد يفتخر بتنوعه العرقي الهائل لكنه لم ير بعد هذا التنوع ممثلًا في أعلى المستويات السياسية. ومن المؤكد أن سيلفا تمثل قفزة غير اعتيادية في الوضعين الاجتماعي والاقتصادي للبلاد. وذكرت صحيفة «جارديان» أن سيلفا قد تصبح أول رئيس «أخضر» في كوكب يكافح لاحتواء أزمة مناخية هائلة. وهذا مهم بشكل خاص في البرازيل ذات المكانة المحورية في القضايا البيئية. وتقدم الانتخابات البرازيلية مثلاً يوضح قدرة الديمقراطية على إعادة صياغة المجتمعات وتصحيح الأخطاء القديمة ورفع صوت المستضعفين. وفي بعض المناطق غير الديمقراطية تثير قصة البرازيل وسيلفا الإلهام. وعلى امتداد تاريخها، وبين عامي 1964 و1985، خضعت البرازيل لحكومات عسكرية قمعية، وتعرضت روسوف نفسها لتعذيب شديد، لأنها كانت عضواً في جماعة مناهضة لنظام الحكم العسكري. لكن منذ ذلك الحين، لم تُستعد الديمقراطية فحسب بل عادت في صيغة تحمل على الأعناق فعلياً مَن كانوا مستضعفين من قبل، من «لولا» الذي ترك المدرسة في سن مبكرة ليساعد في إعالة أسرته، إلى «روسوف» و«سيلفا». ويبتغي البرازيليون حالياً زعماء لا يجيدون فحسب الكلام عن عطفهم على الشعب بل يشعرون بهذه الكلمات من أعماقهم. ويعي أنصار سيلفا القوة المحركة لخطب الزعيمة الحماسية. ويجب استيعاب هذا من برازيليا إلى واشنطن، سواء فازت سيلفا أم لا. فروسوف لم تثر الإلهام كرئيسة. ومنذ فترة طويلة تبدد عنصر الإثارة في قصتها كأول امرأة تصبح رئيساً للبرازيل. وقربها من الزعيم كاسح الشعبية «لولا» أصبح موضع تساؤل علني. وقد تكون روسوف خليفة «لولا» التي اختارها، لكن كثيرين يعتبرون سيلفا الآن أقرب لكونها خليفته بالروح. وسيلفا هي أول برازيلي من أصول أفريقية تتاح له الفرصة لترؤس البلاد. وأحياناً يشار إليها على أنها باراك أوباما البرازيل. صحيح أن أوباما كان مختلفاً وملهماً أيضاً، وقد قدّم قصة غير مسبوقة للصعود إلى السلطة، لكنه آل بطريقة أو بأخرى إلى ما آلت إليه روسوف. لذا عليه أن ينظر إلى سيلفا ويتذكر ما صنع منه ظاهرة في أميركا عام 2008، وأن ينظر في عينيها ويقرأ قصتها ويرى زعيماً مازال قلبه عامراً وطموحاته تتجدد. وفي النهاية ينبغي أن نحذر البرازيليين من أن حماس فترة الانتخابات قد يتلاشى سريعاً عندما يصبح الخطباء الرائعون حكاماً. ---------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «فورين بوليسي»