تتوالى التغطيات والأخبار السعيدة هذه الأيام عن المشاركة الكبيرة والاستثنائية لدولة الإمارات بأكبر جناح في معرض إكسبو ميلانو 2015 بإيطاليا، وتتوالى زيارات الوفود الإعلامية العربية والعالمية لجناح الإمارات الذي وصف بأنه الأكبر في تاريخ المعرض، ويجذب يومياً نحو ثمانية آلاف زائر، مما جعل بعض وسائل الإعلام تقول إنه ينافس «إكسبو ميلانو» في معقله، في إشارة إماراتية تمهيدية لإقامة دورة تاريخية لإكسبو في مدينة دبي عام 2020. وقد تعودنا على الأخبار السارة التي تأتي دائماً من الإمارات وعنها. وفي هذا السياق هناك حقيقة تفرض نفسها ولابد من الإشارة إليها، فنحن في الإمارات جزء أصيل ومتجذر تاريخياً في جغرافيا الجزيرة والخليج والمنطقة العربية، وإذا كانت هذه المنطقة من العالم ظلت تندرج للأسف ضمن توصيفات الاقتصاديين لدول العالم الثالث من حيث مستوى التنمية، فإن كل المؤشرات توضح أن الإمارات قد تجاوزت مجموعة دول «العالم الثالث» وبمراحل عديدة خلال السنوات الماضية. هذه الحقيقة تجعل المؤسسات الرسمية والخاصة في الدولة تتحمل مسؤولية أكبر في الحفاظ على المكانة التي حققتها الإمارات، سعياً للاستمرار في مراكمة الجهود والإنجازات ولتحقيق المزيد من النجاحات في المناحي كافة، خاصة في مجالات التعليم والابتكار والطاقة البديلة وأبحاث الفضاء، فنحن على موعد مع إطلاق مسبار الأمل الإماراتي إلى كوكب المريخ عام 2021، وهذا واحد فقط من المشروعات المستقبلية العملاقة التي يجري الإعداد لها منذ فترة بكوادر إماراتية محلية. ولا نبالغ عندما نتحدث عن النقلة الاقتصادية الشاملة التي تجعل الإمارات خارج تصنيف دول العالم الثالث، لأن التحاق الإمارات بركب الدول الحديثة الأعلى نمواً حقيقة ماثلة، وعندما نسلط الضوء على هذه المسألة فليس من أجل التباهي والتفاخر، رغم أن هذا حق مشروع ويبعث على الشموخ والفخر وتعزيز مشاعر الانتماء للوطن، لكن من منطلق إدراك أن الأرضية التي يقف عليها شعب الإمارات حالياً تبعث على الثقة بالذات وتحفز على بذل المزيد من العطاء والعمل، وهو المطلوب من الأجيال الإماراتية الجديدة التي ولدت ونشأت في زمن الرخاء ولم تعاصر أوقات الشدة، لذلك لا يشعر بعض شباب اليوم بالفارق الهائل وبالمكانة التي وصل إليها وطنهم، لأنهم لم يعيشوا زمن المعاناة والتمهيد للنهوض الذي ترافق مع إعلان قيام دولة الاتحاد. لقد شهدنا انبعاث الروح الوطنية منذ عهد مؤسس اتحادنا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، حيث قامت تجربة رائدة في التنمية والتعايش والاستقرار والأمان. وكل ما تحقق على يد المؤسس الكبير صار نهجاً نمضي على خطاه حتى اليوم، وهو ما جعل الإمارات محط أنظار العالم، كبيئة جاذبة للاستثمار والسياحة، وقِبلة لكل من يبحث عن السكينة والسلام والمجتمع الراقي الذي يتعاطى مع الأنشطة والأحداث العالمية ويشارك في صناعتها واستلهام تجلياتها واستضافة أكبر فعالياتها. ولن يتسع هذا الحيز لسرد الأرقام والشواهد على المكانة التي بلغتها الإمارات في جميع المجالات، لكن بوسعنا التذكير بأن الاقتصادي الفرنسي ألفريد سوفيه الذي كان أول من أطلق تعبير العالم الثالث في إحدى مقالاته عام 1952، كان يعني به آنذاك البلدان التي لا تنتمي لمجموعة الدول الغربية ولا إلى دول المعسكر الشيوعي، ثم أصبح مصطلح الدول النامية أو دول العالم الثالث يشير إلى الدول الراكدة اقتصادياً في مستوى معيشي منخفض مقارنة بالدول المتقدمة، وكذلك التي تمتاز بانعدام التوازن فيها بين سرعة نمو السكان ودرجة التقدم الاقتصادي. كما يعتمد توصيف دول العالم الثالث على المؤشرات الصحية من حيث معدل عمر الفرد ومدى توفر الخدمات الطبية، ونسبة الهجرة والأمية في أوساط السكان، إلى جانب مؤشرات اقتصادية محددة مثل المديونية الخارجية ودرجة التكامل بين القطاعات الاقتصادية وحجم الاستثمارات ومؤشرات الناتج المحلي. ثم أضافت تقارير التنمية البشرية التي تصدرها منظمة الأمم المتحدة مؤشرات قياس أخرى، تستوعب جوانب اجتماعية مهمة كانت مغيبة، ومنها مؤشر الرفاهية وفرص الأفراد، وكلها مؤشرات حققت فيها الإمارات أرقاماً قياسية. -------------------------------- *كاتب إماراتي