رجعت يوم أمس مجدداً إلى دولة الإمارات العربية المتحدة وهي الدولة التي نالت النصيب الأكبر من زياراتي في منطقة الشرق الأوسط منذ تولّيت منصبي في البرلمان البريطاني، ولكم سرّ قلبي بالعودة إلى هذه الأرض الطيبة وهذه الثقافة الأصيلة لألتمس مجدداً وعن كثب تلك الأواصر المشتركة التي تربطنا بدءاً بقضايا الأمن الإقليمي ووصولاً إلى علاقاتنا التجارية العديدة والمتفرّعة في مجالات الطاقة والدفاع والصحة والتعليم. وها أنا أتطلّع اليوم للقاء معالي الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية في اجتماع وزاريّ ثنائيّ هو الرابع عشر في إطار لقاءات فريق العمل الإماراتي البريطاني الذي تمّ تشكيله إبّان أولى الزيارات التي قام بها معالي رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى دولة الإمارات في عام 2010، وقد أثبت مذاك الحين فعاليته في ترسيخ وتوطيد العلاقة بين بلدينا، فصار المنتدى الأبرز لمناقشة القضايا التي تمسّ العلاقة الوثيقة بين بلدينا على عمقها واتّساعها. إننا ومنذ عام2010 نشهد زيادة واضحة في الالتزام والمشاركة والتعاون مع كل شريك من شركائنا في منطقة الخليج العربيّ، وهو ما يدلّ على إدراكنا المشترك والصريح بأن أمننا من أمنكم وازدهارنا من ازدهاركم واستقرارنا هو أيضاً من استقراركم. وفي هذا السياق، أودّ أن أعرب عن امتناننا في بريطانيا لدولة الإمارات العربية المتحدة وقواتها المسلحة الباسلة لدورها في تأمين عودة الرهينة البريطاني الذي كان محتجزاً في اليمن. إن التزامنا بهذه المنطقة آخذ في الازدياد، فها هي قواتنا العسكرية متمركزة بأعداد لا يستهان بها في منطقة الخليج لمقاتلة التطرف والإرهاب، وقد تمكّنت قوّاتنا من تنفيذ ثاني أكبر عدد من الضربات الجوية ضد مواقع تنظيم "داعش" الإرهابيّ في العراق، وهي ثاني أكبر مساهم في هذه المعركة في مجال الرصد والاستخبارات. وبالإضافة إلى ذلك، تقوم بريطانيا بتدريب القوات العراقية على كيفية التعامل مع العبوات الناسفة ومكافحتها، كما ونؤمّن التدريب على المهارات القتالية لقوات البشمركة في كردستان، وقد انتهينا مؤخراً من تدريب المجموعة الأولى من قوات المعارضة السورية المعتدلة وهي قد عادت إلى الأراضي السورية. وهنا أغتنم فرصة هذه السطور لأؤكد أن إعادة افتتاح سفارتنا لدى طهران يجب ألا يُفسّر في أيّ حال من الأحوال على إنّه إخلال بالتزامنا بالأمن والاستقرار في المنطقة، فلا وهن ولا تراجع عن عزمنا على الوقوف إلى جانب حلفائنا وشركائنا في الخليج العربيّ وسوف نستمر في العمل معهم لمنع أيّ تدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة. تعدّ دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب المملكة المتحدة، عضواً ناشطاً في المجتمع الدولي وحليفاً أساسياً في الحرب على الإرهاب والتطرف، وهي إحدى أهمّ القضايا التي سيتناولها فريق العمل الإماراتي البريطاني في جدول أعماله هذا الأسبوع مع التركيز على الوسائل والطرق التي نستطيع اعتمادها وتفعيلها بشكل أكبر لدعم استقرار المنطقة وأمنها في وجه هذه التهديدات، هذا بالإضافة إلى مواصلة دورنا المحوريّ في التحالف الدولي ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية. كما وسيتطرّق الاجتماع أيضاً إلى مناقشة توسيع مجالات التعاون بين البلدين. أما بالنسبة إلى القضايا الإنسانية التي تواجه المنطقة فهي معروفة ولا تحتاج إلى تعداد، ونحن في المملكة المتحدة نعتزّ بأننا كنا من أولى الدول المشاركة في المدينة العالمية للخدمات الإنسانية في الإمارات العربية المتحدة، فقدّمت بريطانيا 900 مليون جنيه استرليني، أو ما يعادل 5 مليارات درهم إماراتي، لمساعدة المتضررين من النزاع القائم في سوريا، وهي أكبر مساهمة إنسانية في تاريخ بريطانيا استجابة لأزمة واحدة. كما وأننا خصصنا مبلغ 55 مليون جنيه استرليني، أو ما يعادل 310 ملايين درهم، لدعم عمل الاستجابة الإنسانية في اليمن. ولا نزال نحتلّ المركز الثاني بين الدول المانحة للمساعدات الإنسانية للفلسطينيين من خلال وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. إن الصداقة الشخصية التي تجمعني بسعادة الدكتور أنور قرقاش هي انعكاس لدفء العلاقة الأوسع بين بلدينا. والمملكة المتحدة اليوم تعدّ مركزاً للابتكار وريادة الأعمال والتميّز. ونحن، كما دولة الإمارات، نعلّق أهمية قصوى على التميّز في مجال التربية والتعليم، وتستقبل المملكة المتحدة سنوياً الآلاف من الشباب الإماراتي الراغب في متابعة تحصيله العلمي في جامعاتنا الوطنية. وأيضاً كما في دولة الإمارات، نحن ندرك أهمية الابتكار والتنويع ونسعى لتحقيقهما، وتجدر الإشارة إلى أن هناك أكثر من أربعة آلاف شركة بريطانية عاملة في السوق الإماراتية. أما علاقاتنا التجارية الثنائية فقدّرت بقيمة 12.4 مليار جنيه استرليني (69.9 مليار درهم إماراتي) بحلول نهاية العام 2013، وقد حددّ مجلس الأعمال الإماراتي البريطاني هدفاً له زيادة هذه القيمة إلى 25 مليار جنيه استرليني (141 مليار درهم إماراتي) بحلول العام 2020. وتندرج دولة الإمارات العربية المتحدة في المركز الثاني عشر في لائحة أكبر شركاء المملكة المتحدة التجاريين وأنا أعتزّ بالشركات البريطانية العريقة المتجذّرة في الدولة هنا مثل "شل" "ورولز رويس"، و"إتش إس بي سي"، و"بنك ستاندرد تشارترد"، على سبيل المثال لا الحصر، وبعضها موجود هنا منذ ما يزيد على 80 عاماً. وكانت شركة "رولز رويس"، قد أبرمت عقد شراكة مع شركة طيران الإمارات هو الأكبر في تاريخها في وقت سابق من هذا العام. العلاقة بين المملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة ومنطقة الخليج العربيّ يجب أن تكون علاقة شركاء استراتيجيين مستمرّة لأجيال قادمة، وليس فقط في مواجهة تحديات الحاضر، فهذا ما يمكننا من أن نجترح معاً شراكات متينة في سبيل الحفاظ على الأمن، وفي سبيل الرخاء والاستقرار. ـ ـ ـــــ ـ توباياس إلوود وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية البريطانية.