خلال سنوات نشأتي بولاية تكساس في سبعينيات القرن الماضي، كنت أحلم بشيئين اثنين أردتهما لمستقبلي، أردت العمل في مجال علوم الكمبيوتر، وأردت أن أصبح أماً. مثل هذه الطموحات قد تبدو عادية جداً في وقتنا الحالي. لكن في ذلك الوقت لم أكن أعرف الكثير من النساء الناجحات في حياتهن العملية وفي الوقت ذاته أمهات لأطفال في البيت. بل في الواقع، لم أكن أعرف الكثير من النساء الناجحات في حياتهن العملية أصلاً. ويمكنني القول عن نفسي بأنني كنت محظوظة بالفعل، لأن أمي كانت تقول لي دوماً إن بمقدوري أن أحقق أي شيء أريده، هذا إلى جانب أبي الذي كان يؤكد لي دائماً أن كوني بنتاً ينبغي ألا يضع أي قيد على أحلامي. وبفضل مساندتهما، نلت درجة جامعية في علوم الكمبيوتر، ثم حصلت على وظيفة كمطورة برمجيات، وهو ما كنت أطمح إليه. وبعد أن تزوجت من «بيل»، أصبحت أماً كذلك. والآن، لدي ثلاثة أبناء (بنتان وولد)، وحينما يخطر في بالي كم تغير العالم بالنسبة للبنات في عمريهما، أشعر بالأمل. في الولايات المتحدة، مثلما هو الحال في دولة الإمارات العربية المتحدة، تعمل أعداد أكبر من النساء خارج البيت مقارنة بما كان عليه الحال سابقاً، ما يجعل الجيل الحالي من النساء نموذجاً جيداً تحتذي به الفتيات الشابات في عدد من المجالات أكثر من الأجيال السابقة. فالشابات الإماراتيات اللواتي يرغبن في الالتحاق بالعمل في القطاع الحكومي، بمقدورهن اليوم التطلع إلى مجلس الوزراء في دولة الإمارات، والذي تشكل المرأة ثلث أعضائه، فهذا الحضور القوي سيعزز ثقتهن بقدرتهن على تولي مناصب قيادية أيضاً. أما اللواتي يطمحن للعمل في مجال العلوم والهندسة، فيمكنهن النظر إلى برنامج الإمارات للفضاء الذي يشكل العنصر النسائي حوالي نصف فريق عمله. كما أن حقيقة كون 72? من طلاب الجامعات هم من الإناث، تعني أن آلاف الإناث في الدولة يحصلن بالفعل على التعليم اللازم الذي يمهد الطريق أمامهن لتحويل أحلامهن إلى حقيقة. لهذه الأسباب والكثير غيرها، يمكنني القول إنه لم يكن هناك وقت فيما مضى أفضل للإناث مما هو عليه الآن. إذ تؤكد لنا البيانات من كل أرجاء العالم أن النساء اليوم يتمتعن بأفضل مستويات الصحة والمعيشة مقارنة بالسابق. غير أن هذه البيانات تؤكد بدورها أننا ما نزال بحاجة للمزيد من العمل لتحقيق مساواة فعلية بين الجنسين، خصوصاً في البلدان الأكثر فقراً. النساء والفتيات هن الأكثر عرضة للفقر والأقل نصيباً في التعليم. وفي كل يوم، تموت 800 امرأة أثناء الولادة. وفي بعض الدول النامية، تمضي النساء نحو تسع ساعات يومياً في أعمال روتينية لترتيب أمور البيت والأسرة، وهو ما لا يكاد يترك لهن وقتاً لفعل أي شيء آخر، مثل الحصول على عمل مدفوع الأجر أو إدارة مكتب أو تأسيس عمل تجاري. ولا يمكن للعالم تحمل تكلفة هدر مثل هذه الطاقات البشرية غير المستغلة بالشكل المطلوب. إن جهود تمكين المرأة لا تمثل مجرد خطوة في الاتجاه الصحيح فحسب، بل هي أمر ذكي لابد من القيام به لما له من نتائج إيجابية كبيرة على الفرد والمجتمع. وبالنظر للدور المحوري الذي تقوم به المرأة في أسرتها ومجتمعها، فمن شأن تمكينها دفع عجلة التقدم في المجتمع بوتيرة أسرع. وسأتحدث فيما يلي عن ثلاث وسائل يمكن أن تساعد في استثمار الطاقات الكامنة للمرأة، لما لها من دور مهم كمحرك رئيسي للتغيير. أولاً، وهو الأهم، الاستثمار في تحسين صحة المرأة. فعندما تتمتع المرأة بصحة جيدة ستكون حياتها أفضل وتكون أكثر قدرة على لعب الدور المنوط بها في دعم تطور مجتمعها. كما يمكنها أن تنجب وتربي أطفالاً أفضل صحة، وهؤلاء بدورهم سيكبرون ليصبحوا قوة عمل أكثر إنتاجية في المستقبل. وقد توصلت إحدى الدراسات إلى أن كل دولار تنفقه الدول منخفضة ومتوسطة الدخل على تحسين الخدمات الصحية يعود عليها بما لا يقل عن 9 دولارات. ثانياً، يجب التأكيد على أهمية حق المرأة في صنع القرارات، خصوصاً فيما يتعلق بمصير حياتها، فهي ليست قاصرة، بل تستطيع تدبر أمورها وشأن عائلتها وتحمّل المسؤولية. ومؤخراً، أظهرت التقارير أن النساء اللواتي يشاركن في القرارات المتعلقة بميزانية العائلة يضعن على رأس الأولويات الاهتمام بالصحة والتغذية السليمة وتعليم أطفالهن، وهي المقومات الأساسية لأي مجتمع ناجح. ليس هذا فحسب، بل ينبغي أيضاً أن تكون لها الكلمة في اختيار شريك حياتها واختيار الوقت المناسب للحمل ولاستخدام وسائل منعه. ثالثاً، إعطاء المرأة حق ممارسة العمل له أثر عظيم على الأسرة والمجتمع ككل. المرأة معطاءة بطبيعتها، لا تبخل على أطفالها بشيء، حتى أنها تستثمر فيهم معظم ما تكسبه، لذلك أردد دائماً أن الاستثمار في المرأة ومنحها حقوقها يعني الاستثمار في الأسرة التي تسهم بدورها في المجتمع. وعندما يتسنّى للمرأة العمل بالخارج وتتوفر لها الإمكانات المالية، تصبح عنصراً رئيسياً في دفع عجلة النمو الاقتصادي وإخراج العائلة من دائرة الفقر، بما يصاحب ذلك من ارتفاع في الناتج المحلي الإجمالي. جميعنا نعلم أن التقدم والإنجاز أمر ممكن، لكنه مرهون بتمكين المرأة في المجتمع على المستويات كافةً، وتجسد دولة الإمارات العربية المتحدة أروع الأمثلة على ذلك. وباعتبارها إحدى أكثر الدول سخاءً في تقديم المساعدات الخارجية، تشغل دولة الإمارات مكانةً رائدة في المنطقة، كما أن رأيها له أهمية كبيرة في الحوار العالمي. وأرى في دولة الإمارات مثالاً رائعاً تحتذي به دول أخرى في تحديد أولوياتها، وقد أظهرت من خلال مواقفها العديدة السابقة تجاه الكثير من القضايا في العالم، أنها عندما تقف بجانب قضية معينة وتحشد لها الدعم اللازم، دائماً ما تتكلل جهودها بنتائج إيجابية. وعندما انضمت دولة الإمارات إلى التحالف العالمي لتوفير اللقاحات للمزيد من الأطفال في أماكن أكثر من العالم، لعبت دوراً مهماً وحيوياً في حماية أرواح آلاف الأطفال. وعندما تعاونت مع «مؤسسة بيل ومليندا غيتس» للقضاء على مرض شلل الأطفال، نجحت الدولة في استقطاب دعم العالم أجمع في غضون سنوات قليلة، مكرِّسةً المزيد من الجهود في سبيل استئصال المرض كلياً. وبينما قطعت دولة الإمارات شوطاً كبيراً في تمكين المرأة بمختلف أعمارها وترسيخ دورها في المجتمع، حيث يمثل ذلك الأمر إحدى أبرز أولوياتها، داخلياً وخارجياً، فإن أمامها الكثير من العمل للقيام به مستقبلاً. وتفتخر مؤسستنا بتعاونها مع دولة الإمارات في مبادرة «كل امرأة وكل طفل»، وهي استراتيجية عالمية لدعم وتعزيز صحة النساء والأطفال والمراهقين في أنحاء العالم. وآمل أن نواصل هذا التعاون ونوثّق الجهود معاً في هذا المجال، بينما تواصل دولة الإمارات جهودها الرامية لتمكين المرأة وتعزيز دورها ومكانتها باعتبارها تقع في صلب أولويات أجندتها الوطنية. تنعم بناتنا حالياً بأجواء الحرية والمساواة، خلافاً للسابق، لكن كيف سيبدو المستقبل لهن؟ وماذا عن النساء اللواتي يعشن في أفقر بقاع الأرض؟ كيف سيبدو العالم لهن مستقبلاً؟ وأود أن أختتم بأنه إذا ما تعاونّا معاً وتضافرت جهودنا، يمكن أن تتحقق رؤيتنا لعالم تتساوى فيه النساء مع الرجال ويتم فيه تمكين المرأة في المجالات كافة. ------------------------------- ميليندا غيتس* *مشاركة في تأسيس مؤسسة «بيل ومليندا غيتس»