من المقرر أن يشارك الرئيس الأميركي باراك أوباما في قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي التي ستعقد في الرياض يوم غد الخميس 21 أبريل الجاري، وتأتي هذه الزيارة للرئيس الأميركي بهدف تخفيف الشكوك الخليجية حول أهداف الرئيس الأميركي وسياساته في المنطقة في ضوء تصريحاته الأخيرة في مجلة «ذي أتلانتيك» التي نشرت في شهر مارس الماضي، ومناقشة التناقضات في الأولويات بين الطرفين في ما يخص السياسات الإقليمية. ولأن الرئيس الأميركي لم يُبدِ أي مؤشرات على تغيير في عناصر استراتيجيته تجاه المنطقة، فإن من المرجح ألا تخرج مواقفه خلال القمة عن محاولات الإقناع وإبداء التطمينات و«الكلمات الطيبة»، دون الخروج بسياسات عملية أو نتائج محددة، لاسيما أنه لم يتبقَ من عُمر إدارته إلا ستة أشهر تقريباً. أولاً: الأجندة الأميركية من خلال متابعة تصريحات المسؤولين والخبراء والمحللين الأميركيين، فإن أجندة أوباما خلال زيارته الرياض ومناقشاته مع العاهل السعودي وبقية قادة دول مجلس التعاون الخليجي، ستشتمل على المحاور الرئيسية الأربعة الآتية: أولاً: أمن الخليج، حيث سيحرص الرئيس الأميركي خلال اللقاء على طمأنة القادة الخليجيين على استمرار التزام الولايات المتحدة في سياستها التقليدية القائمة على ضمان أمن الخليج. وفي هذا الصدد يُتوقع أن يطرح أوباما على قادة الخليج تعاون الولايات المتحدة مع دول مجلس التعاون لبناء منظومة متكاملة للدفاع ضد الصواريخ الباليستية، تشمل أنظمة قيادة وسيطرة وأجهزة رادار تربط كل أنظمة الدفاعات الصاروخية لجميع دول المجلس معاً. وليس من المؤكد أن يقترح الرئيس الأميركي تزويد دول الخليج بأي نظم تسلح، وقد يطرح المساهمة في تطوير وتحديث القوات البحرية لدول المجلس. ثانياً: السياسة تجاه إيران، مثّلت إيران أحد التناقضات الرئيسية طوال الفترة الماضية بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية. ولا يُتوقع خلال اللقاء أن يطرح الرئيس الأميركي أفكاراً مغايرة لسياسته الحالية تجاه إيران القائمة على الانفتاح ومحاولة استيعابها، والداعية في الوقت نفسه إلى تخفيف حدة الصراع بين الطرفين الإيراني والخليجي (سلام بارد)، ومحاولة التوصل إلى تقاسم للنفوذ بينهما، فضلاً عن التأييد الكامل للاتفاق النووي الشامل. ومع أن أوباما قد يشير خلال اللقاء إلى إدراك إدارته للأنشطة التي تقوم بها إيران لزعزعة الاستقرار في الإقليم، وحرص الولايات المتحدة على مواجهة هذه الأنشطة وضمان تفوق دول الخليج على إيران، فإن من المتوقع أن يطرح أوباما ضرورة التوصل إلى تفاهم مع إيران من أجل تخفيف حدة الاستقطاب الإقليمي والطائفي الذي يسهم في تعزيز قوى الإرهاب. وسيكون التركيز الأكبر لأوباما على السعودية، وربما يضغط عليها من أجل إعادة العلاقات الدبلوماسية وفتح قناة تفاوض سرية بينهما. ثالثاً: مكافحة الإرهاب، حيث يشكل هذا المحور الأولوية الأولى لإدارة أوباما في المنطقة، وسيسعى أوباما خلال اللقاء إلى عرض ما تقوم به الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب في سوريا والعراق، ولكنه سيُعيد التأكيد على أهمية دول المنطقة، لاسيما دول الخليج (السنية)، في محاربة تنظيم «داعش»، وعليه سيحث قادة المنطقة على توسيع دورهم في هذا الشأن، ولاسيما فيما يخص تجفيف المنابع الأيديولوجية للتطرف، وفي هذا السياق قد يشير إلى أهمية الإصلاح الداخلي في دول المجلس. رابعاً: أزمات المنطقة والاستقرار الإقليمي. لا شك في أن أزمات المنطقة، لاسيما في العراق وسوريا واليمن وليبيا، ستُطرح على طاولة النقاش بين الرئيس الأميركي وقادة دول المجلس، لاسيما أن رؤى الطرفين حول هذه الأزمات، وخصوصاً الأزمة السورية، كانت متباينة، وسيستمع كل طرف إلى آراء الطرف الآخر ومواقفه إزاء أزمات المنطقة، وكيفية تحقيق الاستقرار الإقليمي. 1. في ما يخص الحرب السورية؛ سيحاول أوباما إقناع نظرائه الخليجيين بسياساته القاتمة التي تعطي الأولوية لمحاربة «داعش» على إزاحة الأسد؛ لذا سيؤكد أوباما أهمية الاستمرار في وقف الأعمال العدائية في سوريا، وتعزيز فرص الانتقال السياسي، مع التخلي عن إزاحة الأسد كشرط لأي تسوية. 2. وبالنسبة للحرب في اليمن؛ سيؤكد أوباما أهمية إنهاء الحرب ودعم المفاوضات المقررة في الكويت، وسيلفت الانتباه إلى الدور الذي تقوم به البحرية الأميركية باعتراض السفن الإيرانية التي تنقل السلاح إلى الحوثيين. كما سيشدد على أهمية محاربة «القاعدة» في اليمن، وتعاون دول «التحالف العربي» من أجل أن يكون القضاء على الإرهاب في اليمن هي مهمة اليوم التالي بعد التوصل إلى حل للأزمة في اليمن. 3. أما بالنسبة إلى العراق؛ فسيشدد أوباما على أولوية محاربة «داعش»، وهو في سبيل ذلك سيدعم حكومة العبادي ومحاولة حل الأزمة السياسية في بغداد، كما قد يزيد عدد الجنود الأميركيين الموجودين في العراق. ومن المتوقع أن يطلب أوباما من دول الخليج ضرورة تعزيز الانفتاح على حكومة بغداد، والانخراط في محاربة «داعش» من خلال دعم العشائر السُنية والقوى الكردية المناهضة لـ«داعش». ثانياً: الأجندة الخليجية لا شك في أن محاور الأجندة الأميركية تتقاطع مع محاور الأجندة الخليجية، وإن كانت أولويات الطرفين ومواقفهما ليست متطابقة. وفيما يلي استعراض لمحاور الأجندة الخليجية المقترحة خلال القمة الأميركية-الخليجية، والمصالح والاهتمامات التي يفضل أن تركز عليها دول الخليج في اللقاء مع الرئيس الأميركي. ومن المهم بداية تأكيد ضرورة أن يتحدث قادة دول الخليج بصراحة مع الرئيس أوباما وفريقه، والتعبير عن المواقف الخليجية بكل وضوح وبعيداً عن المجاملة الدبلوماسية؛ فثمة تذمرٌ من إدارة الرئيس أوباما حول عدم صراحة المسؤولين العرب في لقاءاتهم معه. أمن الخليج: يمكن لدول الخليج أن تطرح أن ضمان أمن الخليج يجب أن يتناسب مع التحديات الجديدة المتمثلة في توسع أنشطة إيران المزعزعة لاستقرار المنطقة وتطور قدراتها الصاروخية. وعليه يتعين على دول الخليج أن تطرح الآتي: 1. تدعيم الشراكة القائمة عبر تعميق مبدأَي المصداقية والشفافية، وإعادة قراءة أسس هذه الشراكة عبر تشكيل لجنة خبراء ومستشارين من الطرفين ضمن مظلة «منتدى التعاون الاستراتيجي الخليجي-الأميركي». 2. توقيع اتفاقيات دفاع مشترك بين الطرفين، ثنائية أو جماعية. 3. فضلاً عن الاقتراح المتوقع للرئيس أوباما بالتعاون في بناء منظومة متكاملة للدفاع ضد الصواريخ الباليستية، يمكن لدول الخليج أن تطلب أن تشملها الولايات المتحدة بالمظلة النووية، وكذلك المساعدة في تطوير وتحديث القوات البحرية لدول المجلس، وتعزيز الجاهزية العسكرية وبناء القدرات في مجال أمن الفضاء الإلكتروني. 4. يتعين على قادة الخليج أن يستصدروا تعهداً من الرئيس الأميركي بالاستمرار في مكافحة البرنامج الصاروخي الإيراني واستمرار العقوبات الاقتصادية غير المرتبطة بالجانب النووي. وبخصوص السياسة تجاه إيران، فعلى عكس السياسة الأميركية الحالية، تُولي دول الخليج أهمية كبرى لمواجهة تمدد النفوذ الإقليمي لإيران، وتدخلها عبر مليشياتها في دول المنطقة، في العراق وسوريا واليمن. وفي هذا الصدد يتعين على دول الخليج طرح الآتي: التأكيد أن دول الخليج لا تعارض الاتفاق النووي الذي يجمد «المشروع النووي العسكري» لإيران، لكنها ترغب أيضاً في تفكيك «المشروع الثوري الإيراني» الذي يقوض الاستقرار في المنطقة ويهدد الإقليم. الإشارة إلى الفشل الأميركي في تقدير التهديدات التي تشكلها إيران، ومدى نمو نفوذها الإقليمي؛ والتأكيد أنه لا استقرار في الإقليم مادامت إيران مستمرة في سياساتها الطائفية والتدخلية. وإقناع الطرف الأميركي بضرورة تعاونه مع دول الخليج لمحاصرة الدور الإيراني في المنطقة، ومنع إيران من دعم «المليشيات والمنظمات دون الدولة» في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وتصنيف هذه المنظمات كحركات إرهابية. وإظهار قادة دول الخليج حرصهم على تطوير نظام إقليمي للأمن يضم إيران، لكن إقامة مثل هذا النظام يستدعي أولاً تدابير لبناء الثقة، وأن هذا التدابير يجب أن تشتمل من الطرف الإيراني على وقف دعم المليشيات المسلحة والمجموعات دون الدولة، ووقف التحريض الطائفي، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لها. وفي ملف مكافحة الإرهاب: صحيح أن هذا المحور لا يحظى بالأولوية نفسها لدى الطرفين الخليجي والأميركي، لكن يتعين على الطرف الخليجي أن يشير إلى جهوده الكبيرة في محاربة الإرهاب، وإلى أن هذا الإرهاب تغذّى بسبب سياسات إيران الطائفية، في العراق وسوريا، ومع ضرورة إظهار قادة الخليج تعهدهم بالاستمرار في مكافحة الإرهاب والتعاون مع الولايات المتحدة في هذا الشأن، إلا أنهم عليهم أن يشددوا أن الجهود الدولية للقضاء على «داعش» في كل من العراق وسوريا قد فشلت بسبب عدم معالجتها أسبابه، والمتمثلة بإقصاء أو تهميش المجتمعات السُنية من السلطة والسياسة في كلا البلدين. وعليه، على الطرفين أن يتعاونا لإصلاح النظام السياسي في العراق بحيث يستوعب بقية المكونات ويتخلص من الهيمنة الإيرانية، أما في سوريا، فإن إزاحة نظام الأسد وتشكيل نظام سياسي جديد يستوعب كل المكونات الدينية والإثنية سيعيد توحيد البلاد ويوحد القوى كلها ضد «داعش». وعن أزمات المنطقة والاستقرار الإقليمي، لا شك أن اللقاء سيمثل فرصة لقادة الخليج ليسمعوا من أوباما عن الاستراتيجية الأميركية في التعامل مع أزمات المنطقة، وفي مقدمها الأزمة السورية، لاسيما أن هذه الإدارة فشلت حتى الآن في طرح رؤية واضحة للحل. وفي هذا الصدد يمكن لقادة الخليج طرح الآتي: 1. التشديد على أن النظام السوري، ومعه الروس والإيرانيون، يستغل وقف الأعمال العدائية لتغيير موازين القوة على الأرض، وأن هذا الأمر يقلص فرص التوصل إلى تسوية سياسية معقولة، أو انتقال سياسي حقيقي في البلاد. 2. يتعين على الطرف الخليجي إقناع الطرف الأميركي بضرورة التلويح بورقة دعم المعارضة السورية المعتدلة بأسلحة متطورة في حال استمر استهداف هذه القوات على الأرض أو في حال تعنّت الطرف السوري في المفاوضات. 3. يتعين على القادة الخليجيين إقناع الرئيس أوباما بأن إبقاء الأسد –حتى من دون أي سلطات فعلية– لن يحل الأزمة، ويمكن هنا التدليل على التجربة مع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في اليمن، الذي لم تؤدِّ إزاحته من الرئاسة تطبيقاً للمبادرة الخليجية إلى تقويض نفوذه على السياسة والجيش، الأمر الذي قاد إلى الأزمة الراهنة. د. ابتسام الكتبي * ـ ـ ـ ـ *رئيسة مركز الإمارات للسياسات