لقد أصبحت إيران وكوريا الشمالية خطراً على كل المستويات «المستوى المحلي الداخلي إلى الإقليمي والدولي»، بل الخطر الإيراني أكبر من كوريا الشمالية، وذلك لاعتماده على البعد الديني المذهبي الخالق لتبعية مذهبية مليشياوية وشعبية داخلية وخارجية، إضافة إلى القوة المالية، الذي جعل هناك تدخلات عسكرية ومذهبية وسياسية في أقطار عربية عديدة. أما كوريا الشمالية، فتهديدها نابع من خلفيات تاريخية متعلقة بالحرب الباردة والحرب الكورية وطبيعة نظامها السياسي، إلى جانب دورها «الذي لم يعد كما كان في قوة أهميتهِ» ضد النفوذ الأميركي لصالح بكين وموسكو في آسيا وشبه الجزيرة الكورية، وجدير بالذكر، بأن الدولة الأكثر عزلة في العالم «كوريا الشمالية» تعاني ضعفاً اقتصادياً، ولا يحظى نظامها السياسي بدعم شعبي داخلي على عكس إيران الثيوقراطية المتمتعة بنفوذ مذهبي داخلياً وخارجياً، علاوة على قوتها الاقتصادية من موارد طبيعية من نفط وغاز وزكاة الخمس الشيعية. بالنظر للوضع الداخلي والخارجي من سياسات وتهديدات وتدخلات إيرانية في الخليج والمنطقة العربية، مع سياسات وتهديدات بيونج يانج في شمال شرق آسيا مع تهديد واشنطن، يمكننا وضع تصورات مهمة وخطيرة حول فشل ونهاية وسقوط تلك الأنظمة. قابلية حدوث انهيار داخلي، فالنظام الثيوقراطي الإيراني يعتبر سبباً رئيسياً في انتشار الفقر والتخلف من خلال تسخير القدرات المالية لأطماع مذهبية توسعية، التي بدورها أصبحت تخنق شريحة كبيرة من الشعب في مستويات الطبقة المتعلمة والمتوسطة، وفي جانب آخر، تستغل الفقراء بروح الدين، فقد تكونت أرضية شعبية مناهضة للنظام الملالي. إضافة إلى ذلك، لا تحظى طهران بعلاقات جيدة مع محيطها الجغرافي بسبب سياستها التي جلبت الخراب والدمار في دول عربية عدة مثل سوريا واليمن والعراق. أما كوريا الشمالية فتتصدر الضعف الاقتصادي والديكتاتورية الفردية الشابة والظلم وغياب العدالة، وليس لنظامها السياسي شرعية للبقاء. هناك تصور آخر لنهاية الأنظمة الحاكمة في إيران وكوريا الشمالية، وهي تقييد قوتها وفعاليتها وتهديدها عبر كل من الصين وروسيا، فلولا بكين وموسكو ما كان هناك تهديدات وقوة لإيران وكوريا الشمالية، ولعل هناك مؤشرات تدل على عدم رغبة الصين في تقديم المزيد من الدعم الاقتصادي والعسكري والسياسي لكوريا الشمالية، لأنها أصبحت أكثر إدراكاً لخطر كوريا الشمالية على أمن آسيا، كما أن بكين تطمح بأن تكون آسيا مركز الاقتصاد والصناعة والمعرفة العالمية بدلاً من الغرب، ولعل بكين تريد دوراً بناء لها في تحقيق الأمن والاستقرار بآسيا الذي يعكس أهميتها العالمية واستحقاقاً لدولة كبرى، وهنا لابد من تلاقيها مع واشنطن في هذا الصدد. وفي جانب آخر متصل بنفس الفكرة، نتوقع أن تقيد موسكو القوة الإيرانية التي أتاحت لها حيزاً كبيراً لمزاحمة وتخريب الدور الأميركي في منطقة الشرق الأوسط. فوضع روسيا من الثورة السورية، وعلاقاتها مع الدول العربية، وخاصة السعودية والإمارات، وأزمتها مع أوكرانيا حول جزيرة القرم، وكونها تمثل خطراً على أمن أوروبا، خاصة مع نمو قوتها ونفوذها وصعود الأحزاب اليمينية في أوروبا، هذا كله يعكس حقيقة مفادها أن موسكو تخشى من حلقات الأمن الأميركية الأوروبية الموجهة ضدها، فكل ذلك يفتح الباب لتفاهمات سياسية وأمنية بين موسكو وواشنطن في قضايا عدة، وستكون موسكو مقيدة لإيران، التي أصبحت تهديداً كبيراً لأمن الخليج والشرق الأوسط ولا تخدم التفاهمات الإقليمية والدولية. ويمكن وضع مقارنة تقول: انظر لكوريا الشمالية، وهي تهدد بقوتها العسكرية الخالية من البعد الإيديولوجي الشعبي، فإذا إيران تطورت قدراتها العسكرية ووصلت لقدرات نووية مع بقاء البعد الديني المذهبي، فإن ذلك يعني كارثة لأمن الخليج ومنطقة الشرق الأوسط. فالمسألة الجوهرية هنا تتمثل في إمكانية وضرورة تلاقي مصالح وأهداف كل من واشنطن وموسكو وبكين في تقاسم النفوذ والمكاسب والرغبة في تحقيق الأمن في أقاليم عدة من الشرق الأوسط وشبه الجزيرة الكورية وشمال شرق آسيا وإلى القارة الأوروبية، وهو ما يعني إضعاف أو سقوط النظامين الإيراني والكوري الشمالي. وفي تصور مهم وخطير مرتبط بوجود الأسباب المتأصلة اجتماعياً واقتصادياً وسياسيا لانهيار داخلي في إيران وكوريا الشمالية، فإنه يمكن القول إذا بدأ انهيار داخلي إيراني من خلال ثورة شعبية وعصيان اجتماعي كبيرين، فمن المرجح اندفاع أذرع نظام الملالي من الحرس الثوري والمليشيات الشيعية المتعددة إلى عمليات تخريبية في الشرق والخليج خاصة، فانهيار النظام الإيراني الثيوقراطي من الصعوبة بمكان أن يحدث دون المرور بمراحل طويلة قد تسبب حروباً واشتباكات محدودة في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي سيحتم دخول أطراف إقليمية ودولية كواشنطن وموسكو في هذا التصور الخطير. أما انهيار نظام كوريا الشمالية فسوف يولد موجة كبيرة من اللاجئين الكوريين الشماليين، مع احتمالية كبيرة لتوجيه ضربات عسكرية لكوريا الجنوبية واليابان ولقواعد أميركية في آسيا، ولابد من وصول سلطة عسكرية سياسية جديدة بتنسيق مع الصين خاصةً وروسيا والولايات المتحدة، حيث جيش كوريا الشمالية يبلغ تعداده نحو 1.1 مليون جندي عامل مع 4.5 مليون جندي احتياطي، وهنا ربما تكون كوريا الشمالية التي مثلت تدويلاً للحرب الباردة قبل أكثر من خمسة عقود، حلقةً تجمع الدول العظمى والكبرى لتحقيق الأمن والاستقرار. ومن المرجح أن تصور انهيار نظام كوريا الشمالية لن يجد دعماً له من قبل روسيا والصين، فعندما سقط جدار برلين في نوفمبر 1989 لم تكن هناك رغبة للاتحاد السوفييتي في دعم نظام ألمانيا الشرقية، وبأي صورة لن يصل انهيار نظام كوريا الشمالية في أهميتهِ الدولية والعالمية إلى انهيار ألمانيا الشرقية في 1989-1990. تقرع هذه المقالة أجراساً من الخطر لوضع تصورات لطوارئ مستقبلية وخيارات سياسات وعسكرية «إقليمية ودولية» لدول معنية بالخطر الإيراني والكوري الشمالي، إلى جانب الأهمية المتناهية لدور وتلاقي الدول العظمى والكبرى «الولايات المتحدة، الصين، روسيا» في تحقيق السلم والأمن الدوليين.