لطالما تميزت الكويت بامتلاكها القوة الناعمة من الفنون والآداب والصحافة والتعليم والرياضة والدبلوماسية على المستويين الخليجي والعربي، فالقوة الناعمة تمثل ركناً من أركان الحضارة والتقدم الاجتماعي، ففي دائرة الفنون وما لها من قوة ناعمة، نجد في الكويت نجوماً عديدين من الممثلين والمغنين والمؤلفين والمتخصصين في الشؤون الاجتماعية إلى جانب دور المسرح والصحافة والبرامج التلفزيونية والإذاعية المتميزة، التي طرحت وعكست وناقشت قضايا ومشاكل وتحولات اجتماعية وسياسية واقتصادية خليجية وعربية ودولية متعاقبة عبر أجيال، فالعالم الحي لا بد أن ينشط بالفنون والآداب المرتبطة بالإنسان وبيئتهِ الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فمن دون الفنون والآداب يكون العالم جسداً من دون روح وتكون الحياة ثقيلة جاثمة لا تطاق. أجل إن الحديث عن الفن والأدب في منطقة جغرافية هو حديث عن إنسان تلك المنطقة وتطلعاتهِ وأحوالهِ وتاريخهِ ومستقبلهِ وحضارتهِ، ففي منطقة الخليج حل الحادي عشر من أغسطس 2017 بخبر رحيل وأفول النجم الكبير عبدالحسين عبدالرضا «78عاماً» من سماء القوة الناعمة وفنونها وآدابها، ففي الساعات الأولى للخبر الخارج من العاصمة البريطانية لندن، وحتى زمن هذه المقالة سادت أجواء من الحزن على أهل الخليج لرحيل أسطورتهِ الفنية، حيث كان الراحل، الباقي بفنهِ وأدائهِ وموروث سلوكهِ الاجتماعي، أيقونة للمسرح والفن والدراما الخليجية مع كونهِ رمزاً للتلاحم الوطني للكويتيين والمنطقة العربية، فقد استطاع الراحل تكوين فضاء فنياً كبيراً يزخر بالكوميديا الاجتماعية الهادفة التي ترسم الابتسامة على وجوه وقلوب الجماهير بعيداً عن همومهم ومشاكلهم وتحدياتهم، بل أعماله الكوميدية لها القدرة على خلق الضحكات ورسم الابتسامات بشكل مستدام لفترات متكررة ولأجيال متعاقبة، وكان الراحل يُبصر الجمهور بنقاط الخلل في الحياة الاجتماعية والسياسية، وإذا ابتعد عن الكوميديا في الدراما الخليجية تجده من الأداء قامة طويلة، علاوة على ذلك تمتعه بصوت غنائي جميل كان به وما زال يطرب مسامع الجمهور والمشاهد، ناهيك عن كون الراحل ساهم في انتشار اللهجة والأمثال الكويتية خليجياً وعربياً، إلى جانب كونه كاتباً متميزاً لبعض أعماله وأحد أبرز الكتاب الكويتيين، ففي مسيرة الراحل الفنية تشاهد وتبصر أحوال وأوضاع منطقة الخليج قبل وبعد خروج النفط، ويتجسد أمامك ماضي وحاضر الخليج وأزماته، حتى قضية احتلال الكويت وقف على مسرحها السياسي والاجتماعي والوطني، وهذا الأمر لم يأتِ إلا من عمق وذاتية وصفاء انتماء أسطورة المسرح والفن الخليجي لبيئته عبر الحضور والتفاني في العمل الفني الذي طال أكثر من نصف قرن، ومن خلال أعمال فنية محفوظة في ذاكرة أهل الخليج والمنطقة العربية. لا عجب من أن قيمة الفنان الكبير عبد الحسين عبد الرضا «رحمهُ الله» كانت محلاً لتكريمه من قبل دول ومنظمات خليجية وعربية على حد سواء. إذا شاء أحد معرفة قيمة الراحل لدى جمهوره فعليه أن يستحضر مدى الحزن الذي ساد في خبر رحيله، وهو حزن حل علينا في ظل صراعات وقضايا مذهبية سنية وشيعية. عبدالحسين عبدالرضا هرم الفن الخليجي برحيلهِ ضرب مثلاً في المحبة التي حظي بها لدى جمهورهِ عامة دون تفرقة، فهو الذي ترك فناً وسيرة وأطروحات ولقاءات تحارب الطائفية. حقاً هناك أموات أحياء بما تركوا من إرث فني وموروث ثقافي وسلوكي، ولعل الراحل لعب دوراً بعد وفاتهِ على مسرح منطقة الخليج السياسي والأمني، حيث إن حب وإخلاص وتقدير وامتنان أهل الخليج لفنهِ ولشخصيتهِ وقف سداً منيعاً يحارب خطابات الكراهية المذهبية، التي مست شخصيته الأسطورة بكونهِ شيعياً، ووجدنا حب أهل الخليج لابنهم الراحل الذي أسعدهم على طول مشوارهِ الفني والثقافي يقف أمام خطابات الكراهية المذهبية المدمرة، ألا يعلم بعض المتطرفين بأن الدولة الحمدانية كانت إمارة شيعية ولها دور كبير في الأدب العربي علاوة على حضورها في مناهج التعليم! دون شك فإن آخر أدوار عملاق الفن الأصيل أن المحبة تجمع ولا تفرق ولا تميز وأن فنون وآداب الخليج عليها محاربة ومكافحة الطائفية، وربما أدرك الكثير من الناس أن فن الراحل حمل الكثير من الإمتاع والمؤانسة الهادفة مع طرح القضايا والتحولات المهمة في حياة أهل الخليج خاصةً والمنطقة العربية عامةً، ولعل الكثير منا يجد في سيرة ومشوار أيقونة الفن الخليجي الحاجة الماسة إلى استخدام القوة الناعمة من الفنون والآداب والصحافة والإعلام في تغيير وتقويم ومعالجة سلوك وثقافة المجتمعات الخليجية والعربية نحو ما هو أفضل وأكثر تحضراً وإنسانية في ظل التحديات والمخاطر الاجتماعية والسياسية للمنطقة العربية من الصراعات المذهبية، إلى جانب حقيقة قدرة القوة الناعمة على تحصين وتصفية المجتمعات الخليجية مما يفرزهُ الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي من سلع ومتغيرات اجتماعية وثقافية بالغة الخطورة على الخاصية الاجتماعية الخليجية والعربية، خاصةً أن الكثير منا لم يعد يميز بسهولة بين الطيب والخبيث فيما يَفِد إلينا. أيها الراحل عنا، لسنا نبكيك لأنك حيّ في ذاكرة ووجدان وفنون وآداب أهل الخليج، ولن تجد خاتمة هذه المقالة أفضل وصفاً وتقديراً لشخصية وفن وعطاء وقيمة النجم الراحل عبد الحسين عبد الرضا، رحمه الله، من مقولة «الوعد بالجنة»، وهي المقولة التي كانت في آخر وقفة لهُ على خشبة المسرح، حيث كان يرددها: «الوعد بالجنة».