نقف اليوم على حافة اتفاق يقضي بإنهاء الحرب الأهلية القاسية في السودان، ويضع حداً لواحدة من أكبر المآسي الإنسانية في العالم وأطولها زمناً· منذ نيل استقلاله عن بريطانيا في عام ،1956 بقي السودان غارقاً في هوة الصراع بين الحكومة المركزية، التي يهيمن عليها العرب الشماليون، وسكان الجنوب المسيحيين وغيرهم من أتباع مذهب الإحيائية· لقد جعل الصراع الدائر من السودان مرادفاً للمأساة- وهي مأساة حصدت فيها الحرب أرواح مليوني إنسان وشردت ملايين آخرين· كما جعل الصراع الدائر من السودان مرادفاً لليأس- وهو يأس أكثر من 4 ملايين إنسان كانوا مرغمين على هجر بيوتهم وسعوا إلى البحث عن ملجأ لهم في المخيمات القذرة في أماكن أخرى من السودان وفي البلدان المجاورة·
وقد أدت عقود من انعدام الأمن والاقتتال الداخلي وحمامات الدم إلى مفاقمة حالة المجاعة المزمنة في السودان، مع انقسام الأسر وتشتت شملها ونزوحها عن مزارعها· وقد قدمت الولايات المتحدة أكثر من مليار دولار على شكل مساعدات إلى الشعب السوداني على مدى السنوات العشر الماضية· وعلى رغم ذلك، فإن عدم وجود السلام والتنمية يعني أن هناك ملايين من البشر ينامون كل ليلة على جوع ومرض وخوف·
لكننا الآن وصلنا إلى لحظة واعدة في تاريخ السودان، إذ أن طرفي هذا النزاع الرهيب مستعدَّان للتوصل إلى اتفاق من شأنه أن يحول السودان إلى رمز جديد للأمل في أفريقيا·
وقد تبوأ الرئيس بوش منصبه وهو عازم على فعل أي شيء ممكن لتحقيق السلام في السودان؛ وعلى مدى العامين الماضيين، انخرط كل من المبعوث الخاص السيناتور جون دانفورث ، ومساعد وزير الخارجية وولتر كانستاينر وغيرهما من أعضاء إدارة الرئيــــس بوش ، في عمل جــــــاد ســــــعياً إلى دفع المفاوضات بين الحكومة السودانية و الحركة الشعبية لتحرير السودان المعارضة (المعروفة اختصاراً بالأحرف SPLM )·
وبدعم منا وبوجود القيادة القوية للوسيط الكيني اللفتنانت جنرال لازارو سيمبويا ، تغلب الطرفان على عقبات كثيرة· وفي السنة الماضية، وافق الطرفان على وقف لإطلاق النار يخضع لمراقبة دولية في إقليم جبال النوبة، وعلى دخول فريق لحماية المدنيين يقوم بتحقيقات في الهجمات على المدنيين·
وفي يوليو من عام ،2002 وقّع الطرفان على اتفاق ماشاكوس، الذي حلّ معظم نقاط الخلاف المتعلقة بنظام الدولة والدين وحق جنوب السودان في تقرير المصير· وفي أكتوبر من عام ،2002 التزم الطرفان من جديد بالتعاون في توفير حرية دخول المساعدات الإنسانية دون أية عوائق إلى كافة مناطق السودان، كما وافقا على وقف الهجمات· وفي الشهر الماضي، أدى اتفاق نيفاشا إلى حل الخلافات الأمنية الشائكة التي تقف عقبة في طريق السلام الآن، وبعد هذا التقدم، باتت الطريق مفتوحة إلى تسوية شاملة ونهائية، وهي مفتوحة لوضع حد للعذاب الذي يكابده الشعب السوداني·
ولتحقيق ذلك، لا بد للطرفين من التوصل إلى اتفاق نهائي حول تقاسم السلطة والثروة، ولا سيما عائدات النفط· وإضافة إلى ذلك، لا بد للطرفين من وضع صياغة نهائية للعلاقة بين الحكومة المركزية وأقاليم السودان الثلاثة·
ولمساعدتهم في اتخاذ هذه الخطوات والتوصل إلى اتفاق سلام بحلول نهاية هذا العام، طلب مني الرئيس بوش أن أسافر إلى كينيا في الأسبوع الماضي وأن أعقد هناك لقاءات مع قيادات طرفي النزاع، وهما علي عثمان محمد طه نائب الرئيس السوداني، وجون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان · وفي تلك اللقاءات، تعهد الطرفان بالتوصل إلى تحقيق السلام بحلول نهاية العام الجاري؛ وقال الطرفان إنهما اقتربا من الاتفاق بشأن المسائل الباقية·
وعندما يتم توقيع اتفاقية السلام، سوف نبدأ عملية تطبيع علاقاتنا الثنائية مع الحكومة السودانية· وسنقوم، بالتعاون مع شركائنا الدوليين، بتعزيز عملية إعادة الإعمار والتنمية· وفي الواقع أننا نخطط الآن لمسألة توفير مساعدات من المانحين بغية تحقيق بداية جيدة لعملية السلام·
وإضافة إلى ذلك، سوف يؤدي السلام في السودان إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي في المنطقة، وإلى تعزيز جهودنا ضد الإرهاب· وما هو أكثر من ذلك أن الرئيس بوش يؤمن بأن فجر السلام في السودان سوف يطلق إلى كل أنحاء العالم رسالة قوية مفادها أن من الممكن عن طريق المفاوضات حلُّ النزاعات الأشد عسراً وصعوبة· ولتقديم برهان عملي على دعمه للسلام في السودان والتزامه به، وجّه الرئيس بوش دعوة إلى كل من الرئيس السوداني عمر البشير ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق لزيارة البيت الأبيض فور توقيعهما على الاتفاق النهائي· ومع اقتراب احتفال المسلمين بعيد الفطر واحتفال المسيحيين بعيد ميلاد السيد المسيح، تسنح للسودانيين فرصة إطلاق رسالة ترحيب وأمل إلى أفريقيا والعالم·
إن الطرفين قادران على تقديم مثال قوي عن السودان الديمقراطي الذي يجري فيه احترام حقوق الإنسان ويتمتع فيه المسلمون والمسيحيون وأتباع الديانات الأخرى بحرية العبادة، وذلك في جو تسوده روح التسامح والاحترام· إنهم