«يا إله العرب» يقول شاعر إيران الأول والأشهر «مصطفى بادكوبه» من على منبر رسمي بأحد المراكز الثقافية في إيران، مخاطباً الله سبحانه وتعالى، طالباً أن يحشره في النار إذا كانت لغة أهل الجنة هي العربية، قائلاً في قصيدته «يا إله العرب اجعل سكني في قعر جهنم ولكن بشرط! أن لا أسمع صوت العرب»! معلناً عداءه واستحقاره للغة الدين الذي يؤمن به وتتسمى دولته «الإسلامية» به. والآداب تشكل أهم عناصر ثقافة الشعوب، والشعر أحد أهم روافد الآداب، فبعد أن سيطرت الثقافة العربية وآدابها على الفكر الفارسي لمدة تزيد عن القرنين حتى عصر الدولة السامانية (346- 450 هـ) حين انطلقت أولى الكتابات الشعبوية لتؤجج العداء الفارسي ضد العرب، وكلف السلطان محمود الغزنوي الشاعر الفارسي «أبا منصور الدقيقي الطوسي» بكتابة قصائد شعرية يمجد فيها تاريخ فارس وحضارتها ويشتم العرب وحضارتهم، وبدأ بكتابة ملحمته الشاهنامة، لكنه قتل قبل أن يستكمل عمله الملحمي، فأكمل عمله «أبو القاسم الفردوسي»، واستمر في العمل لمدة ثلاثة وثلاثين عاماً متوالية، وهو يعد الملحمة الوطنية لبلاد فارس، ويشكل الكتاب ثقلاً كبيراً بالنسبة للقوميين الفرس، ومن نماذج الانتقاص والتحقير الذي كتبها الفردوسي في الشاهنامة تلك الأبيات التي يقول فيها: «من شرب لبن الإبل وأكل الضب، بلغ الأمر بالعرب مبلغاً أن يطمحوا في تاج الملك، فتباً لك أيها الزمان وسحقاً». وهناك أبيات أخرى مماثلة للفردوسي في الشاهنامة، ومنها قوله: «الكلب في أصفهان يشرب ماء الثلج، والعربي يأكل الجراد في الصحراء». ومنذ ذلك الوقت ظلت أشعار الشاهنامة حاضرة في الثقافة الفارسية وصولاً إلى الدولة الصفوية التي ألبست الثقافة الفارسية ثوباً جديداً، وهو المذهب الشيعي. وقد دأب أصحاب النزعة الشعوبية على شتم العرب بحجة الثأر لآل البيت! بل ونشروا الروايات والكتب التي تحط من قدر العرب وخاصة القادة العرب الذين فتحوا فارس، وهكذا منذ حدث التزاوج الفارسي الشيعي عملت الحكومات الفارسية المتعاقبة على «تفريس» المجتمع الإيراني، فالقومية الفارسية هي المعتمدة في الجمهورية الإيرانية، وإيران تُصر على تسمية الخليج العربي بـ«الخليج الفارسي»، وفي الأهواز يتعرض العرب الشيعة والسنة على حد سواء للاضطهاد الفارسي الإيراني، إذ فرضت اللغة الفارسية على شعب الأهواز، وحوربت اللغة العربية، ومنعت إيران واضطهدت المتسمين بأسماء عربية، وعملت على تغيير ديموغرافية الإقليم بإحلال عائلات فارسية فيه، كما تستمر أيضاً في تنفيذ أحكام الإعدام التعسفية في نشطاء الأهواز العرب، وهذا يصح أيضاً على بقية الأقليات العرقية والدينية الأخرى المنتشرة على طول إيران وعرضها، فجمهورية «المستضعفين» عملت على إقصاء كل الأقليات العرقية والدينية غير الفارسية، وحاربت العرب والإسلام السُّني، وعلمت على «فرسنة» تفاصيل حياة الأقليات، الثقافية والاجتماعية والحضارية. ويبرز المشروع الإيراني اليوم كمشروع قومي يهدف إلى إعادة مجد الإمبراطورية الفارسية القديمة ممزوجاً مع إيران الصفوية، فتم تشويه العرب في الذاكرة الفارسية الجمعية، والنظرة الفارسية الاستعلائية ظلت تتغذى على الحقد والكره التاريخي لتنتج سياسات إيران الحالية، ففي عام 2013 ألقى الرئيس الإيراني الأسبق خاتمي محاضرة بالمركز الثقافي في مدينة «دوشنبه» الطاجيكية أشاد فيها بالشاهنامة، وأشاد بالفردوسي، حيث نسب إليه الفضل في حفظ اللغة الفارسية من الضياع بعد الفتح الإسلامي، بحسب قوله. أما الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد فقد أهدى كتاب الشاهنامة للبابا يوحنا بولس الثاني خلال زيارته الفاتيكان في مارس عام 1999، وذلك تعبيراً عن حسن نواياه وترويجاً لمشروع حوار الحضارات خلال زيارته الفاتيكان. وعوداً على بدء، فبعد أكثر من 1000 عام على شعر الفردوسي العنصري في الشاهنامة صفق الجمهور الإيراني بحضور أصحاب العمائم السوداء والبيضاء من جديد للشاعر الإيراني «مصطفى بادكوبه»، وهو يخاطب الله بأنه «إله العرب»! فصورة العربي اليوم في الأدب الذي تقدمه إيران، تأتي مثالاً واضحاً على هذا التناقض، فالقصيدة ليست حالة خاصة فهي تعكس حالة من الفهم الحقيقي لصورة العربي في إيران، وهي الصورة التي يعجز العرب عن استيعابها وفهم أبعادها. ------------------ * كاتبة إماراتية