بلجيكا عاصمة الاتحاد الأوروبي وهي دولة ذات نظام «ملكي اتحادي» في أوروبا الغربية، عضو مؤسس في الاتحاد الأوروبي، وتستضيف العديد من المنظمات الدولية الرئيسية مثل منظمة حلف شمال الأطلسي، وعدد سكانها حوالي 11 مليون نسمة، وفي بلجيكا لغتان رئيسيتان هما: الهولندية، المتكلمون بها حوالي 59 % والمتكلمون بالفرنسية حوالي 41 %، بالإضافة إلى مجموعة صغيرة من المتحدثين بالألمانية. اثنتان من أكبر المناطق في بلجيكا هي المنطقة الناطقة باللغة الهولندية، الفلاندر في الشمال، والمنطقة الناطقة بالفرنسية جنوب «والونيا» في إقليم العاصمة بروكسل، ثنائية اللغة رسمياً، هو جيب الناطقين بالفرنسية في الغالب داخل الإقليم الفلمنكي، كما تتواجد الجماعة الناطقة باللغة الألمانية في شرق «والونيا»، وينعكس تنوع بلجيكا اللغوية في الصراعات السياسية ذات الصلة في التاريخ السياسي لنظام الحكم في بلجيكا. ويضمن الدستور البلجيكي حقوق الإنسان الأساسية لجميع المواطنين، بما في ذلك حرية الدين أو المعتقد، فضلاً عن حماية الطوائف الدينية أو الطائفية من تدخل الدولة في شؤونهم الداخلية. تعود العلاقات بين الدولة والأديان المختلفة في بلجيكا تاريخياً إلى نظام محدد من التسلسل الهرمي للمجتمعات الدينية والطائفية. تمول الدولة المجتمعات الدينية أو الطوائف المعترف بها فقط، وهي: الكاثوليكية، البروتستانتية، الإنجليكانية، اليهودية، الإسلام، الأرثوذكسية، والإنسانية العلمانية. والبوذية هي حالياً في الطريق إلى الاعتراف بها، ومطالب الهندوسية والكنيسة السريانية الأرثوذكسية معلقة. يتم تقديم إعانات الدولة من قبل جميع دافعي الضرائب، بما في ذلك أولئك الذين يدعون ديانة غير معترف بها أو الذين لا يعتقدون بأي دين. تمويل الدولة للطوائف الدينية المعترفة بها ُيمكنها من ضمان رواتب رجال الدين والمعاشات التقاعدية، وصيانة أماكن العبادة، والمراسم الدينية والتعليم الديني، وجوانب أخرى من الحياة الدينية. في تعديل الدستور المؤرخ 15 يوليو 1988، تم نقل التعليم المدرسي من الفدرالي إلى المجتمعات الناطقة بالفلمنكية والفرنسية والألمانية في بلجيكا. تعتبر فصول الفلسفة إلزامية في جميع مجتمعات اللغات الثلاث، ولكن يتم ترك التفاصيل المحددة لتقدير كل مجموعة لغوية. التعليم الديني أو «الأخلاقي» إلزامي في المدارس العامة ويتم توفيره حسب تفضيل الوالدين. يتطلب نظام التعليم العام حيادية في عرض الآراء الدينية خارج دروس الدين. يسمح للمعلمين الدينيين بالتعبير عن آرائهم في دروس الدين. توفر جميع المدارس العامة معلمين لكل مجموعة من المجموعات الدينية السبع المعترف بها، بالإضافة إلى الإنسانية العلمانية. يتم تعيين معلمي دين. أفاد مركز بحث ببلجيكا أن أغلب الأقلية المسلمة في بروكسل وبلجيكا بصفة عامة تتكون من المغاربة والأتراك، أكبر كثافتين سكانيتين من أصول مهاجرة، حيث يبلغ عدد المسلمين مليون نسمة، ما يعني أن نسبة المسلمين في بلجيكا تشكل حالياً 9% من عدد السكان، وذلك وفق أحدث التقديرات حول عدد السكان في البلاد. وحول توزيع المسلمين جغرافياً في البلاد، تشير التقديرات إلى أن نسبتهم في شمال وجنوب بلجيكا تصل إلى 4% في كل منها، إلا أنها تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في العاصمة بروكسل، حيث تصل إلى 22%. ويؤكد مراقبون أن هذه التقديرات تفتح الباب أمام جدل اجتماعي وسياسي واسع حول الاندماج والهوية وسياسة الهجرة. بهذا يشكل الإسلام ثاني أكبر ديانة في بلجيكا متفوقاً بذلك على الديانة اليهودية والمذهب البروتستانتي، ويتم تدريس مادة الإسلام في المدارس البلجيكية منذ عام 1975، أسوة بتدريس الديانات الأخرى، كما يقوم حوالي 700 مُدرس ومُدرّسة من المسلمين بالتعريف بتعاليم الإسلام في المدارس الابتدائية والثانوية، حيث تم الاعتراف بالإسلام رسمياً في بلجيكا بموجب قانون 19 يوليو 1974، الذي جاء تعديلاً لقانون 4 مارس 1870 الخاص بالطوائف الدينية المعترف بها. وإدارة الشأن الديني للمسلمين في بلجيكا تتولاها هيئة «منتخبة» يكون دورها تمثيل الطائفة المسلمة أمام السلطات البلجيكية، وأن ترفع لها قضاياها الخاصة بممارسة الشعائر التعبدية. ويُشار إلى أن هناك تمثيلية المركز الإسلامي والثقافي لبلجيكا، الموجود في متنزه سينكانتينيار ببروكسل والتابع لرابطة العالم الإسلامي، والذي يلعب هذا الدور من عام 1978 إلى عام 1990، حيث تم تعيين «المجلس المؤقت للحكماء من أجل منظمة العبادة الإسلامية في بلجيكا» كمحاور للدولة. وتتولى السلطة التنفيذية المؤقتة، التي تشكلت في عام 1993، صلاحيات «مجلس الحكماء المؤقت». في وقت لاحق، تم تعيين رئيس عن المجلس التنفيذي للمسلمين في بلجيكا في عام 1998 ومعترف به بموجب مرسوم ملكي صدر في 3 مايو 1999، بعد عملية انتخابية مفتوحة شارك فيها كل مسلمي بلجيكا. وتجرى الانتخابات في عام 2005 لتجديد هياكل المجلس. وتم استبدال عملية الانتخابات العامة المفتوحة لكل المسلمين في عام 2014 من خلال نظام تمثيل حصري للجمعيات المسيرة للمساجد. وأمام التنافس الشديد، خصوصاً بين الجالية المغربية والجالية التركية، اختار المجلس التنفيذي للمسلمين في 2014 نظام الرئاسة الدورية التي انتقلت من المغربي صلاح شلاوي إلى التركي محمد أوستون ممثل «ديانات»، أي مديرية الشؤون الدينية التركية التابعة لرئاسة الدولة مباشرة. فهل سينجح محمد «أوستون» في تنفيذ رسالة المجلس الداعية إلى تعزيز قيم المواطنة والانتماء إلى الوطن بعيداً عن إملاءات الدول الأصلية للمسلمين؟ أم أنه سيستمر في السياسة الأردوغانية الداعية إلى العصيان المدني، ورفض كل سياسات الدول المضيفة، خصوصاً بعد إعلان أردوغان الحرب على بلجيكا في خطابه الموجه إلى قيادات العمل الإسلامي بأوروبا يوم 16 أبريل؟ وهل ستمنح الدولة البلجيكية إدارة المركز الإسلامي الكبير للأردوغاني محمد أوستون بعدما دفعت المؤامرات «الإخوانية»- القطرية- التركية «رابطة العالم الإسلامي» إلى الاستقالة من إدارته؟