تأكد الشهر الماضي مقتل إبراهيم العسيري مسؤول تصنيع المتفجرات لدى تنظيم «القاعدة» في اليمن، خلال ضربة جوية. وقد كان العسيري العقل المدبر لهجمات ضد أهداف دولية وأميركية، بما في ذلك مؤامرة «قنبلة مخبأة في ملابس داخلية» والتي كانت تهدف إلى إسقاط طائرة أميركية في عام 2009. وبحسب تصريحات مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بالإنابة السابق «مايكل موريل»، «فإن مقتل العسيري هو أهم عملية تخلص من إرهابي في الميدان منذ مقتل أسامة بن لادن». كانت هذه هي أحدث حلقة نجاح في اليمن ضد تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» من خلال عملية عسكرية ومخابراتية منسقة عن كثب بين دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة. وهذه الحملة المكثفة التي قادتها الإمارات على الأرض أدت إلى التخلص من أكثر من 2000 مسلح خطير في الميدان، وإلى تحسين الوضع الأمني، وتقديم مساعدات إنسانية وتنموية عبر ميناء مدينة المكلا ومناطق أخرى محررة.
وقبل ثلاثة أعوام مضت، كان تنظيم «القاعدة» يحقق صعوداً في اليمن، لدرجة أنه سيطر على ثلث البلاد، وكان يرهب اليمنيين ويدبر لمزيد من الهجمات ضد أهداف أميركية ودولية. وأما في الوقت الراهن، فقد وصل التنظيم إلى أضعف مراحله منذ عام 2012. ولكن لسوء الحظ، فإن التنظيم ليس وحده هو التهديد الخطير في اليمن، فهناك تهديد آخر هو إيران ووكيلتها «جماعة الحوثي»، شبيهة جماعة «حزب الله» الإرهابية، التي تسببت في أزمة إنسانية وسياسية راهنة في الأراضي اليمنية.
وقد استخدم «الحوثيون»، الذين يمثلون أقل من 5 في المئة من سكان الدولة، العنف من أجل الإطاحة بالحكومة الشرعية في 2014 -2015، وسيطروا على العاصمة، ومدن كبرى أخرى، والمنطقة الساحلية المطلة على البحر الأحمر. وقد كان شعارهم الأول لحشد المسلحين هو «الموت لأميركا!». وتزود إيران جماعة «الحوثيين» ببعض من أكثر الأسلحة والتكنولوجيا تطوراً حصلت عليها جماعة إرهابية يوماً. وكما وثقت منظمة الأمم المتحدة والولايات المتحدة وخبراء مستقلون بالتفصيل، تتضمن ترسانة «الحوثيين» صواريخ مضادة للسفن، ومراكب مفخخة يمكن تسييرها عن بعد يتم توجيهها ضد سفن بحرية وناقلات نفط تجارية، إضافة إلى مئات من الصواريخ الباليستية والصواريخ الأخرى والطائرات من دون طيار المسلحة التي تستهدف المدن والمدنيين في المملكة العربية السعودية، وأكثر من نصف مليون لغم أرضي ومتفجرات ارتجالية يتم نشرها عشوائياً، وما لذلك من تدعيات مدمرة على الشعب اليمني.
وفي إطار تفويض من الأمم المتحدة، تحرز الإمارات، كجزء من التحالف العربي الموسع، تقدماً ضد «الحوثيين». وقد تم تحرير أجزاء شاسعة من الجنوب اليمني. كما تم تأمين معظم المنطقة الساحلية المطلة على البحر الأحمر مع التركيز على الحديدة، التي تعتبر آخر ميناء مهم يخضع لسيطرة «الحوثيين».
وقد قلص ذلك الهجوم التدريجي المخاطر على ملاحة السفن الدولية، وزاد الضغوط على «الحوثيين» من أجل الجلوس على مائدة المفاوضات، والأولوية التي كانت دوماً أكثر أهمية، أنه حافظ على تدفق المساعدات الإنسانية.
وفي حين أن الإمارات تضطلع بدور قيادي في المعركة ضد التطرف والعدوان، هناك أطراف أخرى تُمكنهما وتطيل أمدهما. ومع تشديد الولايات المتحدة للعقوبات الشهر الماضي على إيران بسبب تدخلها في اليمن وفي أنحاء الشرق الأوسط، أظهرت قطر نفسها مرة أخرى باعتبارها الداعم المفضل للتطرف الإسلامي. فقد اتصل الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر، بالرئيس الإيراني حسن روحاني لتقديم الدعم القطري من خلال تعاون بحري موسع وحوافز استثمارية وعقود إنشاءات.
والتواطؤ القطري أعمق من ذلك، فمثلما كشفت صحيفة «واشنطن بوست» في أبريل الماضي، قدمت قطر فديات مالية بمئات الملايين من الدولارات، مباشرة، إلى الحرس الثوري الإيراني ومتطرفين آخرين من أجل تحرير أفراد في الأسرة الحاكمة القطرية كانوا مخطوفين. وفي اليمن، أغدقت «منظمة عيد» التابعة لقطر بالملايين على زعيم أحد قادة تنظيم «القاعدة» في اليمن «عبدالوهاب الحميقاني» المدرج على قوائم الإرهاب، والذي عمل سابقاً في وزارة الشؤون الدينية القطرية. وتعتبر قناة «الجزيرة»، شبكتها الإعلامية المملوكة والممولة من قبل الحكومة البوق الإعلامي المتطرف في المنطقة، بينما يتمتع ممولو الجماعات الإرهابية المدرجون على قوائم الإرهاب من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة وجهات أخرى، بملاذ آمن في الدوحة.
وعلى النقيض تماماً، تتعاون الإمارات والولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم «القاعدة» في اليمن، مثلما فعلتا ضد حركة «طالبان» وتنظيم «القاعدة» في أفغانستان، وحركة «الشباب» في الصومال وتنظيم «داعش» في سوريا. وحتى الآن، يجب أن تكون الأولوية هي إنهاء الحرب في اليمن، وتعتقد الإمارات أن العملية السياسية تمثل الحل الدائم، ومن ثم تدعم بقوة جهود المبعوث الأممي الخاص لليمن «مارتين جريفيث»، وهي جهود رفضها «الحوثيون» قبيل أيام بعدم حضورهم المحادثات التي كان من المزمع عقدها في جنيف.
وتنتشر المخاطر الأمنية في شبه الجزيرة العربية ومن حولها. و«الحوثيون» جماعة خطيرة ومتهوّرة، وتعتمد على شريان الدعم الإيراني. ولا يزال «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية» تهديداً مستمراً طالما ظل اليمن من دون حكومة وأجهزة أمنية فاعلة. وترهب هاتان المنظمتان الإرهابيتان الدول والتجارة العالمية بالصواريخ الباليستية والطائرات من دون طيار المسلحة التي تقدمها إيران. وتنتجان مفجرين انتحاريين قادرين على تفجير طائرات فوق الأراضي الأميركية. والشرق الأوسط منطقة معقدة وخطيرة، لكن الإمارات واضحة تمام الوضوح بشأن رؤيتنا للمنطقة. وفي حين يحاول البعض إمساك العصا من المنتصف تجاه إيران، تحارب الإمارات أشد وكلاء طهران خطراً. وفي حين يُمكّن آخرون المتطرفين ويشجعونهم، تقف الإمارات مع الولايات المتحدة على خط الجبهة من أجل هزيمتهم. وهو عمل صعب وخطير، لكن الإمارات والولايات المتحدة والمجتمع الدولي أكثر أماناً بسببه.
*سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة الأميركية.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»