عبر كلماتي تتمايل أغصان الأشجار وتهسهس الرياح. عبر كلماتي يهمس الحفيف ويتنفس الورد. عبر كلماتي يفسر لي الكون غموضه وتتراشق الفصول بتبدلاتها فلماذا لا أتحدث عنك وعن أحلامك بهجس روحي وفيض أملي ورؤاي؟
لماذا لا أتحدث باسمك أنت أيها الإنسان الخبيء في المجاهل وزوايا الغياب.
أيها الصوت المنسي والغائب في ذاكرة الآخرين. دعني أتحدث عنك كما أتحدث عني وعن أحبابي وخلاني. سوف أزأر بصوتك كما يزأر البحر حين تحاصره الجبال، وحين تدفن الشواطئ البيضاء الجميلة بسواد الإسمنت وهوس البناء.
ولسوف أنفث غضبك المحموم كالنوافير الرهيبة حين احتدام المحيط. لسوف أمسك بيدك وأدلك عليك. وإذا تراجع الرعب في عينيك سأهمس لك بكلمتي السرية. كلمة الوجود والإبداع والسلام وشغف الحياة. الكلمة التي تجعلك شامخاً كالطود، بهياً كالألق، شفيقاً كسخاء الينابيع. إنها كلمة الحرية والحق والعدالة التي تنبعث من كياني وتصب في مجراك لتضيء لك الدروب، وتفتح لك مدارج الرقي والانتصار على الظلام!
أعدك أنني سوف أنقش حضورك على صفحات الضياء، وأعلن عن إشاراتك وأحلامك. سأتحدث عن طفلك الجائع، ودمعتك التي لا تجف، ودمك المهدور بسبب الضلالة في كل مكان لا يقرُّ بالحق في الحياة والسلام. من أنت أيها الإنسان غير ارتقاء السلالة ومعاني الإنسانية. أين أنت؟ وأين تسكن حين تعصف رياح الظلم وتهدر محيطات العنف؟
من أين تأكل حين يجف الضرع والنبع وتشح السماء والكف؟ باسمك أيها الإنسان الغافل، البريء من دمك ودم الآخرين، يعقدون المؤتمرات لك ويتآمرون عليك. باسمك أنت يقيمون أفراحهم. باسمك تصعد العلوم مدارج الكشف وتخترق اللامرئي، وأنت على جرف الهاوية والقصف والموت. باسمك يبتكرون أدوية الشفاء من أمراضك وأنت فريستها، وفريستهم الشهية. باسمك تنتج المحاصيل والسلع فائقة الوفرة. وأنت جائع، ويداك خاويتان!
ومن عجبي أن باسمك أيضاً تبتكر أحدث أسلحة الحروب والدمار والموت. وأنت الذي كنت وما زلت تبدع آلات الموسيقى والفنون وأعياد الحب ورايات السلام وبشائر الحياة.
سوف أتحدث عنك بما تهمس به روحي وتحديق بصيرتي، وأعبر عن صوتك عبر عصور غيابك إلى عصور يقظتك. أيها المجهول العابر فوق أرصفة النسيان حدق جيداً وتأمل في روعة الإمارات التي تحتضن التائه وتدق أجراس الحب والسلام.