قد يكون أجمل ما في المباراة ليست تمريرة ذكية أو هدفاً رائعاً.. أحياناً تدخل المباراة التاريخ بشيء غير الكرة.. العادي مثلاً أن تمضي مباراة بين بايرن ميونيخ زعيم أندية الدوري الألماني وهوفنهايم في الجولة الرابعة والعشرين دون أن يشعر بها أحد، ودون حتى حديث عن السداسية التي فاز بها النادي البافاري، لولا أن حدثاً غيّر مسار المباراة، وجعلها ربما حديث العالم.
13 دقيقة كاملة قضاها لاعبو الفريقين يتبادلون الكرة مع بعضهم, وكأنهم فريق واحد يتدرب، اعتراضاً منهم على سلوك الجمهور الذي لم يتوقف عن سب جماهير البايرن لمالك نادي هوفنهايم، ديتمار هوب.. 13 دقيقة رغم أنها بلا لعب تقريباً، إلا أن المعاني التي خلفها كبيرة، والرسالة التي بعثت بها إلى الجماهير كانت أعلى من أصواتهم.
ديتمار هوب، مالك نادي هوفنهايم الذي سبّته الجماهير، ورفعت لافتات مسيئة له ولوالدته، لا ذنب له سوى أنه تقريباً الاستثناء الوحيد في الدوري الألماني، فلا أحد يملك نادياً هناك سواه، فناديا فولفسبورج وليفركوزن تملكهما شركات، وبقية الأندية تعود ملكيتها لجمعيات عمومية، وبسبب ماله ربما على هوب أن يكابد ما يكابد ربما في كل المباريات، فلم تكن مباراة البايرن وحدها التي شهدت ثورة الجماهير ضده، فمباراة بوروسيا دورتموند مع فرايبورج تعطلت بسبب الأغاني التي رددها المشجعون ضد هوب، وتأجل الشوط الثاني لمباراة كولن مع شالكة بعد مطالبة اللاعبين والمسؤولين للجماهير بإزالة لافتة مناهضة لهوب، الذي يبدو أن كل ذنبه أنه غني، يريد أن ينفق على ناديه ليزاحم الكبار، وهو ما لا تريده الجماهير التي لم تتقبل حتى الآن، فكرة شراء الكرة.
ديتمار هوب البالغ من العمر 79 عاماً، والذي يعد من أثرياء أوروبا، لم يتضامن معه لاعبو البايرن فقط في مباراتهما معاً، ولكن رئيس البايرن هاينز رومينيجه الذي كان حاضراً معه في المدرجات عانقه واعتذر له، وهانزي فليك المدير الفني للبايرن ذهب للجماهير وطلب منها أن تكف عما تفعل، ثم نزل رومينيجه ومعه أوليفر كان إلى أرض الملعب، واعترضوا على تصرف الجماهير، وأخيراً وبعد توقف المباراة واستئنافها بعد ثلث ساعة، لم يجد لاعبو البايرن سوى هذه الطريقة.. أن يعتذروا على طريقتهم.. أن يتوقفوا عن اللعب الحقيقي طالما أن الجماهير جاءت لغير اللعب.
المدهش أن المباراة كانت على ملعب هوفنهايم.. تلك وحدها أحجية الأحاجي.. ورغم كل شيء ورغم الرفض، هي مؤشر على حال الجماهير والملاعب هناك، والحال عندنا .. هنا ملعبك ملكك أنت لا شيء فيه مباح لغيرك، وهنا قد يؤلب اللاعبون الجماهير .. ذاك فارق كبير.

كلمة أخيرة:
الكرة تصبح أروع .. حين ترافقها قصة إنسانية أو درس