في ثوبها الجديد المتأنق، وبأيقوناتها المضيئة، تحل جريدة «الاتحاد»، في حلة مختلفة وناضجة، فكرياً وثقافياً. ثمة محطة من لحظات، استرسلت فيها للهدوء، فأعادني إلى علاقة قريبة من القلب، تمتزج ورحلة الدروب، ما بين نسيج حروف التشكل، وإبداعات الأيام، وتسبيحات الصباحات البكر، كأنها تؤوي الحقائق من الاندثار، أو تضم حلماً لم ير النور.
قبيل الثمانينيات وعلى رؤى الصغار كانت ثمة صفحة تعدها الإعلامية عبلة النويس حينها، كانت تفرد مساحة لكتابات الصغار، من رسوم ومسابقات عمرية، يومها كنت مثابراً على المشاركة، مما حدا بي إلى الفوز بإحدى الجوائز، كانت بمثابة جائزة للفرح الجميل الذي أسعد طفولة تبحث عن حدث ثقافي تتباهى فيه، لكن لم أحصل على الجائزة إياها التي لم تصل لأنني لم أذهب إلى الجريدة لتسلمها، وظلت بذاكرتي، وقد رتبتها جيداً في مخيلتي، وقلت ربما علبة ألوان نادرة، أو قلم أنيق وفخم أو ربما كتاب قصصي.
لم تكن إجازات صيف مرحلة الثانوية، سوى فرصة قدمتها الصحيفة لعمل الطلبة صيفاً بالتعاون مع بعض المؤسسات الحكومية والبنوك، وبإشراف الإعلامي عمر أحمد، مما جعلني أقترب من صرح الجريدة، مفضلاً التدريب بها دون سائر المؤسسات، فكان لي ما أردت، فكانت بداية رحلة تدريبية مثمرة، التقيت بالشاعر حمد بوشهاب، رحمه الله، كان يحضر للجريدة أحياناً لمراجعة نصوص ديوانه الذي كان قيد الإصدار، فكنت أراه قامة شعرية، متفرد بوجوده، وبملامح بدوية طيبة، وبسطوة الأديب الشاعر تبدو ملامحه.
لكن حين أنهيت الدراسة الثانوية وقررت الرحيل إلى أميركا، حينها حملت عقد اشتراك في صحيفة «الاتحاد» التي اعتدت على قراءتها، فكان البريد يحمل لي رزمة لكل ثلاثة أيام، رزم ترتسم من خلالها صورة الوطن وأخباره، بينما كانت الصحف السعودية تصل لسائر المكتبات الجامعية بمبادرة من المملكة للطلبة المبتعثين، ولربما لم يكن أحد منهم بجامعتنا، لأن صحفهم كانت تتراكم دون أن يمسها أحد، فقلت للمشرفة على المكتبة إذا ممكن آخذ صحيفة، لأقرأها بالبيت، فأجابت فوراً بإمكانك أن تأخذها جميعاً، فكانت فرصة لتمتد قراءتي نحو ثقافة رحلت بي نحو عالم من الكتابات السعودية المجددة.
جميل حين تلتصق بعمق بصحيفة كـ«الاتحاد» لترتسم من خلالها الأحلام الثقافية الجميلة والذكريات الراقية، والحصيلة هذا الود وهذا النبض من القلب، أي من قلب الوطن، من حيث تثمر روح الرؤى، وتقرأ من خلالها امتدادات زمنية لا تندثر بل تشعل فرحتنا بهذا النهج الجميل والابتكار المتجسد والمتوافق مع الحياة التي أصبحت ذات تقنية فذة تجاريها الجريدة وتلامس منها البهاء المتسع المتصدر عالم الصحافة.