إننا نقبل الاختلاف، ونعتبره إضافة نوعية لنعيش حياة متنوعة فيها الكثير من الثراء والتجدد، حياة ممتلئة بكل الأضداد، لكن الحقيقة الفعلية أننا غير ذلك في المطلق، فأغلب مشاكلنا في الحياة نابعة من أن الأمور لا تسير على هوانا وكما نرغب بها. أعلم ذلك عن نفسي تماماً، وأدرك حقيقته في أي يوم أجد فيه الأمور تذهب إلى غير ما أرغب به مع أشخاص أتعامل معهم وأقدرهم جداً.

إن قبول الاختلاف له أشكال أبعد من قبول ذوق زميلي في العمل المتباين ناحية الألوان التي يجب أن نستخدمها في تصميم صفحة ما، وأشد تعقيداً من تفهمي الأخلاقي لتوجيهات أصدقائي الفكرية ناحية قضية رأي عام لا تتوافق مع توجهاتي. صحيح أن لقبولنا اختلاف الآخر شكلاً أخلاقياً علينا اتباعه إذا أردنا الوصول إلى أسمى درجات الرقي الإنساني، ولكن هل فكرنا يوماً أن وجودنا الإنساني نفسه قد يكون مهدداً في حالة قبولنا ذلك؟!

إن قبول اختلافاتنا مع الآخرين لا يعني أبداً أن نجبر أنفسنا بذلك المختلف، حتى لو أدى بنا ذلك إلى أوضاع لا نقبلها، وليس لا نفضلها فقط. والفرق بين الحالتين كبير. أن لا نفضل أمراً يعني أننا لا نضعه ضمن أولوياتنا، ولكننا قد نقبل به. أما أننا لا نقبله، فهذا يعني أنه من ضمن الأمور التي نعتقد أنها تهدد راحتنا وصحتنا العامة! وهذه حقيقة ثبتت بالبرهان العلمي. فما نفضله ونقبل عليه له علاقة عضوية بجيناتنا، كالأذواق في الطعام، والألوان في الأشياء، وحتى الروائح في كل ما هو حولنا، بل وحتى في نوعية ما نستسيغ سماعه من أصوات. إننا عندما نرفض أمراً أو على أقل تقدير لا
نستسيغه، فهذا يعني أن ذلك يعود إلى دفاعاتنا الطبيعية التي تعمل وقت وجود عوارض خارجية قد تهدد سلامتنا، وهذا ما يجعلنا لا نجد مبرراً لماذا نرفض ذلك الطعم أو هذا اللون أو تلك الرائحة، ونقبل على غيرها التي تجعلنا في توافق أكثر مع ذواتنا؟

لهذا الأمر علاقة وثيقة بقبول الاختلاف لدى الآخرين، فقراراتهم حول تفضيلاتهم وما يكرهون نابع من أسباب لا علاقة لهم بها، إنما خلقوا بها، ولم يدركوا هم ذلك كما لم ندركها نحن. وعليه يجب أن نقبل بحالهم كما هو-غير مضطرين مشاركتهم إياه- وأن نقلل من صدمتنا وخيبات أملنا معهم كونهم مختلفين، وهو الشيء ذاته الذي عليهم أيضاً العمل به.