دائماً ما نقدم على ملعب الحياة الأبقى والأعمق أثراً.. في المبتدا والمنتهى ما يقدمه اللاعبون في الأندية أو حتى المنتخبات، هي رياضة.. لعب.. تتلون بلون الوطنية ربما، أو يشعلها الحماس تارة، لكنها تبقى رياضة.. تبني العضلات ومعها تبني العقل السليم، لكن ما نقدمه على مسرح الحياة أكثر رسوخاً.. ما نبنيه في القلوب غير قابل للهد.. ما تصنعه بأخلاقك وسجاياك يبقى على الدوام.
كنت أسعد الناس بنبأ شفاء فهد مسعود نجم الوحدة والمنتخب الدولي وأحد أبرز اللاعبين الذين مروا على كرة الإمارات.. ذلك أن فهد لم يكن لاعباً فقط.. فهد جزء من عمر ومن حياة.. ترافقت بدايتنا ربما.. بدأت المهنة مع تباشير نجوميته، فبدا أن كلاً منا حريص على دعم الآخر، ومع اللاعب اكتشفت بمرور الأيام الإنسان الرائع الذي يسكنه.. والقلب الكبير الدافئ الذي ينبض حباً وخيراً في صدره.. فهد لم يكن لاعباً فقط.. فهد على الدوام وقبل اللعب إنسان من طراز نادر، والحمد لله أن تجاوز محنة المرض برضا المسلّمين بقضاء الله ودعوات المحبين له ودعم المخلصين.
لا زلت أذكر جيداً أيام البدايات تلك.. محفورة في الذاكرة كأنها الأمس.. لا زلت أذكر ذهابنا وإيابنا إلى نادي الوحدة، وسيرنا سوياً نتجاذب أطراف الحديث ونزف بشريات المستقبل.. هو يبشرني بصحفي كبير، وأبشره بلاعب ونجم دولي يضيء سماء الكرة.. كانت علاقة أخوة وصداقة، وكان كعهدي به دوماً له نصيب من اسمه «فهد»، قوي وقادر على اجتياز العثرات.. لا يثنيه شيء عما يريد.. لا يعرف اليأس ولا يستسلم للأحزان، وبفضل الله انتصر على المرض وبفضل الله اجتاز محنة كبرى جعلها الله في ميزان حسناته.
كان لافتاً حجم التعاطف والمحبة التي عمت الوسط الرياضي قاطبة بعد علمهم بمعاناة فهد، وهي محبة ليس مردها فقط أنه كان لاعباً كبيراً أمتعنا وأسعدنا لسنوات، وإنما الأهم، أنه كان نجماً إنساناً، وكان نموذجاً للأخلاق طوال مسيرته مع كرة الإمارات، وذاك ما يبقى أكثر من الكرة ومن الأهداف والبطولات.. ما يبقى أن تسكن قلوب الناس، والقلوب لا يسكنها إلا الأنقياء الأوفياء.. من مروا على أيامنا فعطروها بالمودة وجملوها بطيب الأثر.. من يشبهون الماء وأوراق الشجر.

كلمة أخيرة:
ننتصر على المحن بفضل الله وبما نحمل في قلوبنا من حب وبعدد الأيادي التي تمتد لتمنعنا من السقوط.