في يومك وأنت في الطريق إلى نهار جديد، ربما تتغير فيك أشياء وتتبدل مشاعر وتنقلب حياتك رأساً على عقب.
قد تخرج من مكانك ذاهباً إلى مكان ما، وقد يكون عملك اليومي وتكون في أسعد حال، وفجأة يحدث ما يعيقك ويجعلك تغادر منطقة الفرح إلى منطقة مشوبة بسوداوية مريعة.
تحاول أنت أن تفتش عن مكان الطلقة التي أصابت وعيك في مقتل، ولكنك لا تعثر على ما يكون دليلاً أن ما حدث نتيجة لجرح راهن. تظل هكذا في حومة الألم، مترهلاً متضعضعاً متشعباً في ثنايا زمن غير زمانك، وهناك في العميق تكمن الصخرة التي كبوت على أثرها، هناك إمبراطورية اللا شعور تجيش ضدك وتحشد جرارها المخيف في وجهك، وأنت تقف مذهولاً من هول الموقف ومن قوة هذا الكائن الأسطوري، ورجاحة كفته في أي مواجهة قد تحدث بينكما، وأنت الضعيف لا تملك إلا ذاكرة أرهف من قماشة رخيصة لا يمكنك أن تبادر في المواجهة، ولن تستطيع الكشف عن مكنون هذا المتربص الرابض في خاصرتك، المتمكن من الفوز في أي صراع يحدث بينك وبينه.
تقف مشدوهاً، وقد ترتكب حادثاً مفجعاً جراء الغوص في المحيط، والذهاب بعيداً عن الواقع، فلا تعرف أنت في تلك اللحظة أين أنت ومتى وكيف.
كل هذه الأسئلة تتوارى خلف غلاف سميك اسمه النسيان، لأنك ابتعدت كثيراً عن الواقع، وغصت في أتون اللا واقع.
بعد فترة تكتشف أن في لحظة من غفلة منية وقعت أنت في شرك اللاشعور، الذي جلبك إلى مناطق بعيدة، ربما تكون في مقياس الزمن أنها سنوات طفولة، يوم صدمت أنت بمشهد حزين، جلجل مفاصل الوعي فيك، وخلخل أضلاع القلب، وبلبل نسيج طفولتك، ولكنك حاولت بالمستطاع أخفاء ما يمكن إخفاؤه، وظل ذلك المحظور خفياً، عصياً على الظهور، إلا بقوة اللاشعور، الذي يمتلك منجل النبش، والتفتيش عن الخفايا والرزايا والنوايا وكل ما استوطن في الذات السفلى تكتشف الآن، لغة التخفي، لأسباب نفسية واجتماعية وثقافية تجعلك لا تعرف لماذا أنت حزين الآن من أسباب جلية تشير إلى حدث ما، أو موقف ما هنا تعرف أن تقلب حالك لم يأتِ من فراغ، وإنما هو اللاشعور، الذي يطل عليك في هذه اللحظة، ربما لتشابه موقف راهن مع آخر سابق أو ربما لأنك وقعت تحت سطوة اللا شعور لأسباب تخص وعيك الذي يكون بحاجة إلى جلد الذات أو الإحساس بالدونية، وهو الأمر الغامض لا تفسره إلا دراسة الحالة لدى المحللين النفسيين.
فقد تحاول أنت بجهد شخصي معرفة لماذا اعترتك مسحة الحزن من دون أسباب واقعية، وقد تبذل جهداً للتعرف على الضيف ثقيل الظل، ولكنك لن تعرف، لأن الضيف قادم من منطقة حالكة السواد.