مررت كثيراً على مدن الأنهر المختلفة، وإن كان الماء واحداً بزرقته وجماله وانسيابه البديع والباعث على حب الحياة والغارس فينا فلسفة الوجود والرحيل، النشيد والحب والجمال، الغناء أو البكاء، الماء صورة جميلة لرؤية هذه الدنيا والحياة. ومدن الأنهر هي أجمل المدن دائماً، وأكثرها إشراقاً وتجدداً، ومدّك بالأمل والتفاؤل بأن الجديد قادم ما دام النهر جارياً، تماماً مثل مدن الموانئ، صورة الماء ووجوده، سواء كان نهراً أو بحراً، هي البشارة العزيزة الدائمة لمعنى الحياة، تجددها وتغيرها، بل ترفض الجمود والركود، كل مدن الماء وموانئ الأنهار أو البحار، هي نموذج للمدن واهبة الحياة الجديدة وإن كانت الأنهر متشابهة والماء واحد، إلا أن لكل مكان ومدينة شيئاً يختلف تماماً من حيث الناس والعمل والاشتغال وفلسفة الوجود والنظرة إلى المستقبل، فقد يظل النهر هو النهر/ الماء الجاري في مساراته، ولكن المحيط به لا يجاري هذا المتجدد الجميل، مثلاً القاهرة لا تشابه مملكة تايلاند، والمدينتان القاهرة وبانكوك لا تشابهان مدن إسبانيا، مدريد، أو باريس، والمقارنات صعبة بين هذه المدن، على الرغم من وجود الماء/ النهر نفسه، بزرقته وجريانه.
أيضاً مدينة لنينجراد/ أو بطرسبورج لا تشابه كل المدن التي ذكرت، هذه المدينة الرائعة ذات الخصوصية التاريخية والجمال العجيب، تذكرت زيارة لها قديمة عبر التوقف أمام كاتبها العظيم ديستويفسكي والذي ارتبطت الذاكرة بين مدينة وكاتب يشارك مدينته الشهرة الكبيرة والعظيمة للمدينة وابنها.
تسحرك هذه المدينة بجمالها وناسها ونهرها، صورة تشبه صور الأحلام البديعة والخيالات المحلقة التي تأتي لرأسك ومخيلتك، صور بديعة تنثال على خيالك وفكرك من العصور التاريخية القديمة لمدينة بطرسبورج، من القياصرة وتشابك الحياة، جمالها وزهوها وتاريخها العظيم الحافل بالأحداث والمتغيرات التي صنعت تاريخ روسيا الجميلة/ العظيمة.
المدينة والنهر وحدهما حكاية رائعة، النهر ومساره كم هو مختلف عن سائر المدن، يجري الماء بعذوبة فائقة، يحيط به الجمال من كل ضفة، المباني والمساكن والناس، ورود من الصبايا الزاهيات الرائعات وأعمال تجري هنا وهناك، سفن وقوارب تعبر بخفة وسلاسة، ما زلت أتذكر حواف النهر الذي تحيط به الأزهار والأشجار والمباني الجميلة، صورة بديعة بالتأكيد، لا تشبه ضفتي نهر النيل أو نهر بانكوك الكبير وإن حاولت مدينة بانكوك أن تتزين، ولكن تظل بطرسبورج ذات خصوصية، أو أنها بحكم الزيارة الأولى خلاف المدن الأخرى، صحيح أن باريس أروع، ولكن هذه المدينة أيضاً رائعة، مدينة تحمل الجمال وروح وذاكرة ديستويفسكي، ربما لهذا تختلف أو تملك صورة خاصة جميلة.
