قبيل طلوع الشمس، تبدأ صباحك المعتاد، بداية أحادية مفعمة بالسكون وبالانتظار، ولربما بدأ الشوق يتسلل إلى ذاتك، حين تحادث نفسك أمام المدى البعيد، وكأنك تستحضر فجر المسجد، وبوابة تفضي بطريقك إلى العمل، قد يستوقفك المدى، قائلاً حذارِ أن تبتعد عن بيتك، أو تصافح البشر، ولتفر من صلة القربى، ولتخفي خوفك من الآخر، وخوفك عليهم من عدوى لا تعرف من أين تفد.
إنها تدرجات الصحو، لا تزال في الذاكرة، وأنت تسير على خطاك، ولا التفاتة تختصك، إنها تعرجات المسافة القليلة جداً، ما بين البيت والعمل، تمر من خلال حارة البطين، تاركاً البحر يتغنى بأمواجه، وذاكرة التاريخ تتوهج على عتبات بيوتهم، وقصر الخبيرة يصادفك بصمته، وبحدائقه الجميلة، تمر بهدوء ما بين ذاكرة البساتين وإيقاع الوقت.
ترى حارس بوابة الشركة، تبادله إيماءة السلام الصباحي، تراه مبتسماً يودعك بنظرة خاطفة، وربما حذراً من تسلل سيارة مجهولة، تمر على صور زمنية جميلة، معلقة على جانبي الجدران، فمسار المدخل شاهدا على تطور قطاع النفط، وملحمة من الصور، لتعرجات رمال الصحراء الجميلة، وعقود من الزمن مزجت، وبدأت وجوه أهل أبوظبي الكرام، الذين عملوا بجهدٍ وتفانٍ، حتى صعدت آلة الإنتاج البترولي عالياً، ولازال العهد يتجدد في وجوه قادة المستقبل.
منذ متى والصباحات هي ابتهاجك، وانتماؤك إليها، وسر عشقك يعود بك إلى فناءات البيت، وتدرجات جاءت سريعاً دون تصريح مسبق، أمامك زمن من الانكسار وعليك أن تنهض، لتمرن حياتك على تجربة العمل من بعد، ولم لا وكل الاتجاهات أصبحت في قبضة المرض الفتاك، والذي قيد الحياة بإتقان، وبدا شاغل الناس في الدنيا.
أما المساء الجميل، فلم يعد ليرتشف من بمعيتك قهوة الكوفي شوب، لم تعد تستلذ بطعم «بلوبيري مفن»، كعادة اكتسبتها منذ زمن بعيد، وما عليك إلا أن تصنع لنفسك الشاي، وتقترب قليلاً من مكتبتك المنزلية، لتزيل الغبار عن رفوفها، وتعتكف قليلاً، لتلجأ إلى الكتب القديمة، تلجأ إلى كتاب لتقرأ لهم، فلم يعد الزمن يذكرهم، وهم من أمثال «ليو تولستوي، وتشيخوف، وغوستاف فلوبير، وكورولنكو»، وعالم «ميخائيل ليتروف».
إنها فلسفة الحياة التي هبطت فجأة، وبدأ الشارع جامداً بلا روح، واعتنقت البيوت أهلها، لتمتعك قهوة الصباح، لتستحضر رائحتها، وكأنك تعتاد على الوقت دون زحام، ويعتادك الوقت حين تشعر بدفء المكان، بنسيان المواعيد، مواعيد السفر، والأمنيات، فما من عوائق تحضر، بل مدى جميل من القيم والوعي الذاتي، والتزام جميل بالوقت والعمل عن بعد؛ أي أصبح مرادفاً للعمل بالمؤسسات.