يبدو أن الـ«كورونا» سوف يصبح بعد حين من الدهر، ثيمة من ثيمات الخرافة الشعبية إذا لم نحدد لهذا الوباء - من مفهوم عقلاني - ما يزيح عن كاهل الذاكرة البشرية ما يغشيها من حشوية تراكم الغبار على الثقافة، وتجعلها تئن تحت وطأة الخوف الوهمي، كما هي بقية الصور الوهمية التي يزرعها عقل بشري مهيأ لاستقبال كل ما هو غامض ومبهم، ويحوله إلى صورة مرعبة، تدخل في أحلام الناس، وفي تفكيرهم، وبالأخص الصغار.
عندما سألت حفيدتي عن سبب اختفائها، فأجابت بعفوية، قائلة: أخاف أن أخرج، لأن الكورونا يقف في الخارج. إحساس مخيف، ويدعو إلى الشفقة، عندما يتحول مرض من الأمراض التي قد تصيب البشر في أي وقت، إلى حالة نفسية مريبة ومزعجة، ويتحول العقل إلى مجرد مكب لتجميع النفايات، وفضلات الطبيعة الجشعة.
إنه تحدٍ أمام الآباء والأمهات، حيث يتطلب الأمر، أن توضح الصورة، وألا يصبح هذا الوباء إلى كائن خرافي ميتافيزيقي يهاجم الصغار في صحوهم وفي منامهم، ولا نتمنى أن تصير عقول صغارنا مجرد كومة من الطين اللزج تعلق في حثالته جل الخنافس المريضة.
لا نتمنى أن ينشأ صغارنا على أثر وهم أشبه بوهم أم الدويس أو بابا درياه، ويكفي العالم من أتربة زحفت إلى أذهانهم، وجعلت من الإنسان مجرد أحفورة تاريخية نسيها التاريخ في حقيبة ضاعت من بين ثنياته بعد حرب ضروس دارت لمدة ليست بالقصيرة ما بين الوعي واللا وعي، انتصر فيها اللاوعي، وحقق منجزه اللا طبيعي على حساب الوعي.
نحن الآن أمام اختبار لقوة الإرادة، ونحن أمام امتحان نواجه فيه الكارثة، وعلينا أن نكون جاهزين ومستعدين لتحقيق النصر المبين، ومهما اشتدت الملمة إلا أن الثقة يجب أن تملأ قلوبنا، والثبات يرسخ خطواتنا، لأن العقل البشري هو الذي سينتصر في نهاية الأمر، وكل ما نوده أن يحدث هو أن يلتزم الآباء والأمهات، بمسؤولياتهم الأخلاقية تجاه الصغار، وألا يكونوا مصدر رعب، وتخويف لهؤلاء الذين ما زالوا، يحملون في رؤوسهم أدمغة، أكثر رقة، وهشاشة من قطنة الوسادة التي تهجع عليها رؤوسهم الصغيرة. نعم نحن أمام جائحة، ولكن لا يجوز أن نحول هذا الظرف، إلى جحيم يحرق أفئدة صغارنا، إنهم بحاجة إلى هذه الرؤوس، كي تصبح في يوم ما، عقولاً مبدعة، تضيف إلى منجزات البشرية، ما هو مفيد.
هؤلاء بحاجة اليوم إلى ثقافة الإيمان بقوة الإنسان على قهر الظروف الصعبة، وتطويع ضواري الطبيعة بحيث تصبح في إمرة العقل البشري، وليس في كدحه، وتعجيزه. أخبروهم حقيقة ما يحدث، ليصبحوا أشخاصاً، مستنيرين، لا أشخاصاً محبطين. كونوا لهم عوناً لا وباءً.