إنها لحظة مشرقة حقاً في تاريخ المشاريع الثقافية العربية الجادة، أن تفوز مجلة بانيبال بجائزة الشيخ زايد للكتاب عن فئة النشر والتقنيات الثقافية. وهو فوز لا يذهب فقط إلى مؤسسي المجلة، الناشرة البريطانية مارجريت أوبانك وزوجها الروائي العراقي صموئيل شمعون، وإنما يمتد إلى كل الشعراء والأدباء العرب الذين ترجمت المجلة أعمالهم إلى اللغة الإنجليزية على مدى أكثر من عشرين سنة، وقدمتهم إلى الجامعات والمراكز الثقافية في إنجلترا والولايات المتحدة وسائر الدول الأخرى، بما شكل مرجعية رصينة لمن يرغب في التعرف على تطور الأدب العربي الحديث. ثم امتد هذا المشروع لإصدار كتاب بانيبال، وجائزة سيف غباش بانيبال للترجمة الأدبية من العربية إلى الإنجليزية، كما كان للمجلة دور مهم في بروز عدد من المشاريع والجوائز والمهرجانات الثقافية الكبيرة.
شخصياً كنت حاضراً في منزل السيدة مارجريت وزوجها صموئيل في لندن، عندما احتفلنا بصدور العدد الأول من المجلة في العام 1998. كما نُشرت لي بعض القصائد في العدد الثاني. يومها أذهلتني فكرة المشروع، والأهم ربحّيته وضمان استمراره، عندما تصورت أن الآلاف من الجامعات في العالم سوف تسجل اشتراكها في المجلة، بما سيمنح القائمين على هذا المشروع القدرة على الصمود والتطور، لكني عايشت التعثرات المادية الكثيرة التي واجهتها المجلة، حيث لم تكن نسبة الاشتراكات تفي بالغرض، وكان على المؤسسين البحث عن مصادر أخرى دائماً لإبقاء شمعة المجلة مشتعلة حتى اليوم.
انحازت بانيبال إلى أدب الحداثة. وراهنت على فكرة تقديم مشروع التجديد العربي في النثر والسرد والتعريف بالأسماء الكبيرة مثل أدونيس ومحمود درويش وغيرهما، ثم امتدت مساحتها إلى أجيال الثمانينيات والتسعينيات في كل بلدان الوطن العربي، وصارت تفتح ملفات عن حال الأدب في بعض البلدان، ومنها صدور عدد خاص عن الأدب في الإمارات في العام 2011 ضم نحو ثلاثين اسماً من جيل الحداثة الأدبية فيها.
اليوم، وبهذا الفوز الكبير والمستحق، تواصل المجلة مشروعها التنويري الجميل، حيث ذهبت للتوسع في نشر الأدب العربي باللغات الأخرى، وفي مؤتمر الترجمة الذي أقيم في أبوظبي في نوفمبر الماضي، جاءت مارجريت وهي تحمل في يدها العدد الأول من المجلة باللغة الإسبانية، وهو مشروع يطمح إلى تقديم صوت الثقافة العربية وأدبها من المحيط إلى الخليج، إلى نحو 500 مليون فرد يتحدثون الإسبانية، وهي أيضاً اللغة الرسمية في 20 دولة حول العالم.
شكراً لجائزة الشيخ زايد على هذا الاختيار، ونبارك أيضا لكل الفائزين بها في فروعها الأخرى.