في البداية كانت وعكة صحية في أقصى الشرق لم يشعر بها أحد، مجرد صداع كان العالم يعتقد أنه سيزول لمجرد حبة بنادول، وينتهي الأمر، وتعود الآلة الكونية تدير متاريسها، وتصخب وتحطب في صحراء الأرض، وتحت سماء مضاءة بقناديل الفرح المادي الرهيب.
ولكن بعد حين، استيقظت الحضارة على هزة أرضية عنيفة هبت ورجت وكزت ومجت وحزت وأشعلت في قلب العالم نيراناً وأشجاناً وأحزاناً كيف لا، والعالم غادر بؤس الأمراض المعدية منذ زمن الحرب العالمية الثانية، وانتصر على أعتى الأوبئة، وحقق ذاته من خلال تربعه على عرش الصحة، كما ادعى وزعم.
اليوم، وقد برزت الحقيقة، وأصبح من العسير أن يقول أحد أو تتبجح دولة، وتقول أنا، لأن هذا الوباء خرج من شرنقة وعيه الذاتي ليحرر الناس أجمعين من عقدة الأنا التي أصبحت بقدرة قادر، مثل السمكة التي ألقيت على الرمل، لكنها لم تزل تعتقد أنها تسبح في البحر.
في عرض البحر الوبائي الهائج، تحولت الصين من موطن للوباء «كما أشيع لها» إلى بؤرة تحرر منه، بل وتصدير، ما يحتاجه الغير لتفادي المزيد من آلة الفناء الوبائي.
كما أن الاتحاد العظيم الذي حاولت الاقتداء به الكثير من العوالم، كشف عن وباء أشد وطأة من الكورونا، ألا وهو تضخم الأنا، والنزوع إلى الأنوية والعزلة والفرار إلى حيث يكمن الخوف من الآخر.
إذاً نحن أمام حالة كورونية تؤسس لعالم يستعيد ذاكرة الماضي ويتحلل كلياً من قميص الحاضر، بل ينزع عنه معطف التلاحم ليصبح الكون مجرد غيوم متناثرة تغطي شعاع الشمس ولا تمطر.
هذا يعيدنا إلى عبارة سقراط العظيمة، «اعرف نفسك» ويدعنا نفكر كيف هرع العالم ساعة البعث الكورونوي إلى الذات المنغلقة، وكيف تقوقع لمجرد إحساس بالخطر، والذي كان من الأولى أن يدفع هذا الخطر الناس إلى المزيد من التعاون، وليس الفرقة.
ولكن هذا ما حدث ولم يكن مستغرباً لدى الذين سبروا غور العلاقات البشرية والتي قامت في الأساس على مبدأ، «أنا ومن بعدي الشيطان»، وهنا تصدق عبارة فرويد «في داخل الحضارة، يكمن شيء من إنسان الغاب» الأمر الذي يجعل من الصحوة مستحيلة، ما لم نستعد الوعي، كما ونؤمن بحق بأن الوجود واحد، وما يلحق بشخص، أو بدولة هو لا بد وأن يصيب الكل.